حالة ارتفاع الأسعار دون مقدمات كلما حسّنت الحكومة دخل موظفيها، صار أمراً متوقعاً ومعروفاً للجميع، إلى درجة أنّ البعض لا يسر بأي تحسّن أو زيادة في دخل موظفي الحكومة قناعة بأنه مقدمة لرفع الأسعار، فليس كل المواطنين موظفي حكومة ولا حتى قطاع خاص، وبالتالي زيادة التراكم في رفع الأسعار أو زيادة دخل موظفي الحكومة
أصبح مثل البعبع المخيف لسواد كثير من المواطنين، فما هو لغز هذه العلة التي تجمع النقائض؟
إنه متى صار زيادة دخل الفرد مقروناً بزيادة الأسعار، فمن باب أولى أن نبقي على دخل الفرد على حالة، لنبقي الأسعار على حالها ولا نلجئ المواطن إلى الدخول في معمعة ارتفاع الأسعار من جديد، لكن دوام الحال من المحال وطبيعة الأشياء هي التغيُّر والتبدُّل، ولا مناص إذن من البحث عن أسباب نشوء هذه العلاقة الحميمة بين زيادة الرواتب وزيادة الأسعار، وهل هما مولودان من رحم واحد أم اتفاق بين طرفي المعادلة؟ وإذا كان كذلك فما هي الحكمة وأين حق المواطن في صيانة وحماية دخله ومرتبه؟
القضية تبدو معقّدة، ويبدو أن لها عدة وجوه وخطوط متشابكة ومتقاطعة، حتى صار من المستحيل تحديد تشخيص محدد وواضح، لكن هذا لا يعني أن لا نبحث ونجتهد، فالقضية أصبحت تدعو للسخرية والضحك للأسف، فإن كان التجار هم الذين يرفعون الأسعار بشكل جماعي وتوقيت دقيق، فهذا ربما عدّ مفخرة وإنجازاً رائعاً أن نجد تجارنا متحدين ومتفقين، ويسيرون أعمالهم وتجارتهم حسب برنامج دقيق بانسجام وتناغم يحسدهم حتى الإخوة الأشقاء عليه، وقد قيل في الأمثال لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، ويمكن أن نعدّله بتصرّف حسب مقتضى الحال فنقول لو لا تنافس التجار لكسد السوق، إلاّ أن يتفق التجار بجملتهم واختلاف أنشطتهم وأرصدتهم على المواطن الفرد في معاشه، فهذا من عجائب الدنيا ويحل محل الخل الوفي، وليفرح المواطن إذن بتحقيق إحدى العجائب وإن على حساب جيبه وقوت أهله من باب حب لغيرك ما تحبه لنفسك، لكن بائع اللبن لن يتفق مع بائع المركبات على تحديد سبب واحد للاتفاق عليه لرفع الأسعار, فذاك يستورد اللبن من ضرع بقره والآخر يستوردها من بلاد لم ترفع أو تحسن مرتبات موظفيها وإن احتج راعي البقر بارتفاع سعر الشعير فهل سيحتج بائع المركبات بأن مصانع السيارات في بلد المصدر تستورد الشعير من بلادنا؟ أو ربما يشتكي من انخفاض سعر الشعير في ذاك البلد مما أدى لانخفاض سعر البيرة الذي أدى إلى سهر العمال وضعف نشاطهم، ثم لو اتفق هذان التاجران جدلاً، فما هي حجّة مستورد السجائر الذي رفع أسعاره وهي تحشى من التبغ وليس الشعير أو التبن، وإن احتج بحرص مجلس الشورى الموقر باعتبار أنه هو الذي درس ضرورة رفع السعر، فأين مجلس الشورى الموقر عن ارتفاع باقي السلع؟ وهل وصل إلى علمه شيء من المبررات والأسباب؟ فامتلأ قناعة ووجه برفع سعر السجائر لمواكبة موضة صعود الأسعار لحماية المواطن؟! ذلك أن المشافي الخاصة رغم زيادة الدعم الحكومي لها وللمدارس الأهلية رفعت هي أيضا أسعارها، وحتى مخازن الأدوية ركضت هي الأخرى إلى صعود الموضة، وهذه وتلك مهمة جداً لصحة المواطن وسلامته أيضاً، والقضية ببساطة ليست في هذه الجزئية أو تلك بل في هذا الاتفاق العجيب لرفع الأسعار للسلع والخدمات بشكل جماعي، حتى صار المواطن مثل الحمل بين قطيع من الذئاب المتوحشة.
أخشى أن تكون القضية مثل تاجر حديد في بلد عربي صرف على الانتخابات ملايين الدولارات وبعد الانتخابات وهي بالمعلوم مزورة كصناعة عربية متفوقة، رفع سعر الحديد ليعوض خسائر الحملة الانتخابية، وأخشى أيضاً أن لا علاقة للتجار برفع الأسعار إلا لتغطية زيادة الرسوم والضرائب من قِبل وزارة المالية التي رغبت في تعويض ما صرفته باليمين لتأخذه بالشمال، ولا عجب فحال وزارة المالية مثل أي وزارة أخرى تسعى لتأدية أفضل وأحسن أداء، ومن الأفضل والأحسن أن تظهر موازنتها في النهاية وبعد زيادة الأعباء بنتاج وأداء سليم مالياً، فهي مختصة بالمال ولا علاقة لها بالسوق وشجونه وتأثيرات ذلك على المواطن، فهذه من مهام وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني التي تبني الخطط الخماسية منذ أكثر من أربعين عاماً، ولم تعلن ولو لمرة واحده عن تصور شامل لحال الوطن والمواطن في غياب خطة خمسيه، ثم جاءت النتائج كما هو مرسوم ومستهدف، بدليل ظهور البطالة والفقر وارتفاع العقار وشح السكن.
hassam-alyemni@hotmail.com