وعد إن فاز فريقه الكروي المفضل بالمسابقة التي تستحق فعلاً التغني بها لعدة مواسم مقبلة بنحر عدد من الجمال، ولا أخاله إلاّ قد فعل، آخر وعد إن نجح ابنه في تخصصه الجامعي أن ينحر عشرات الخراف أمام المقربين، ثم فعل، وأخرى أقسمت إن وهبها الله طفلاً ذكراً وهي التي لا تنجب إلاّ إناثاً لأن تلبسنًّه طاقية من ذهب، فجاء المولود ذكراً واضطرت هي وأخواتها للاستدانة والسلف لجمع قيمة ما أقسمت به وأرهقت نفسها شططاً كانت في غنى عنه، بأي ذنب أَزهقت أرواح الجمال والخراف، حتى وإن كانت من النعم المباحة، هذا ضرب من الإسراف ونكران النعم، المولى سبحانه يمنحنا النعيم ويوصينا أن نرعاه (ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم)، لماذا لا تكون نذرنا على أن نفعل أشياء جميلة للأسرة والمجتمع، فبدلاً من سفك دماء الحواشي والهرافي كلما مررنا بلحظة سعد وفرح أن نقسم على أن نعمل أعمالاً خيرية إنسانية تكافلية يوجّه نفعها للمحتاجين والأيتام والأرامل والمعاقين ونحوهم، لا نحرم أنفسنا من الفرح ولا ننسى من هم بأمس الحاجة للفتة كريمة منا تجبر كسر أنفسهم وتمسح دمعة صغيرهم ويتيمهم، وأصحاب الجمال والخراف أذعنوا لمبدأ لا ينطبق على هذه الحالات على الأرجح، فكان الأجداد يصرون على أن (لا يثنُّوا كلمتهم) بمعنى أن لا يغيّروا أقوالهم أو يتراجعوا عنها كمبدأ رجولي أصيل، وذلك في مواقف النبل والإيثار ونحوها التي تكون في مكانها ومناسبة لزمانها ولها مردود إنساني ودروس أخلاقية، كما أنهم لا يتراجعون عن مواقف الفروسية والبطولة (فلا يثنون كلمتهم)، أمّا الصور التي نرى البعض يصر عليها، فقد لا ترقى إلى تلك المعاني التي ينشدها المتقدمون، فالكرم والسخاء وإن كان من الخصال الحميدة، فإنه إن كان في غير حينه ومكانه ولغير أهله يعد من الحماقات والسذاجة.
والجود والبذل من أسمى شيم العرب والمسلمين، غير أنه يكون أطيب حينما يكون في وقته ومكانه، ومن أقوال أكثم بن صيفي في هذا المعنى: تحلّوا بالجود والكرم يكسبكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر!! ومما يروى عن بعض أجواد العرب: أن أسماء بن خارجة الفزاري وهو من المخلدين في سجلات الجود؛ قتل كلباً لأحد الأعراب بالخطأ فوداه له بأربعين ألف درهم، وهو الذي يقول عن نفسه: ما أحب أن أرد أحداً في حاجة طلبها، لأنه لا يخلو أن يكون كريماً فأصون له عرضه، أو لئيماً فأصون عرضي عنه، والحجاج الثقفي ومهما قال عنه المغرضون ممن كسر شوكتهم وطوى أشرعة نفوذهم في البلاد الإسلامية، إلا أنه كان الكريم الفارس المجاهد، ويروى من قصص سخائه ما يطرب النفس، وفي سيرته مواقف مضيئة في هذه الجوانب تضاهي أعمال ونفائس مشاهير كرماء العرب مثل: أسد بن عبد الله القسري وحاتم، والحارث العبدي، والحكم بن عبد المطلب القرشي.