الشيء المؤكَّد الذي لا يجادل فيه أحد، أنّ المخدرات أصبحت أحد المخاطر والمهدّدات التي تواجه الإنسان المعاصر، أكثر مما كانت تشكِّله من تهديد في الماضي، فبعد دخول التقنية، وسرعة النقل والتنقل، اكتسحت المخدرات مساحات كبيرة على سطح الكرة الأرضية، وغزت بلداناً بعيدة كانت عصيّة عليها. وتشير معلومات مؤكدة إلى أنّ العالم غرباً وشرقاً من أمريكا إلى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، جميعها ابتليت بانتشار المخدرات، وأنّ 90% من هذه المخدرات مصدرها أفغانستان، التي تزوّد منطقة الخليج العربي بما يوازي 80% مما يهرّب إليه وما يروِّجه تجار المخدرات في المنطقة.
وقد شجع ذلك على انتعاش زراعة المخدرات غير المشروعة في أغلب المحافظات الأفغانية، وأنّ هناك 70% من المساحة المزروعة في أفغانستان تستغل من أجل زراعة هذا المنتج المخدر.
والغريب أنه ومنذ بداية عملية (حرية غير قابلة للتدمير)، ارتفع حجم الهيروين المنتَج في أفغانستان 40 مرة، وتحوّلت البلاد إلى قبضة زعماء إنتاج المخدرات، وارتفع التصدير السنوي إلى حوالي 900 طن من الأفيون و375 طناً من الهيروين، وهذا الإنتاج يوازي في حسابات المتعاطين الذين يحاولون الحد من هذا الوباء القاتل 150 مليار جرعة، وهو ما يوازي استهلاك سكان العالم أجمع 25 مرة، مع أنّ ما يصدر من أفغانستان هو فقط ثلث محاصيل الأفيون المُعَد للبيع.
أما الثلثان الآخران من المخدرات، فيُنقلان إلى المناطق الجبلية للتخزين. وتذكر المعلومات أنّ زعماء تجار المخدرات المحليين، يخزّنون في أفغانستان 15 ألف طن من المخدرات، وأنّ هذه الكمية كافية لضمان تلبية طلبات المدمنين في جميع أنحاء العالم ما بين خمسة إلى سبعة أعوام.
تزايد زراعة وإنتاج المخدرات وسهولة تصديرها وخروجها من أفغانستان، يظهر بوضوح عدم فعالية مكافحة المخدرات من قِبل (إيسافا) في البلاد، فأنشطة القوات الدولية التي هي في الحقيقة قوات حلف الناتو بقيادة أمريكية، لا تهدف إلى المكافحة الحقيقية ضد زراعة وإنتاج المخدرات، وهدفها تمويل النهج غير الفعّال لمكافحتها، وكان من المنتظر من قوات التحالف الغربي، اتخاذ خطوات محدّدة لإقامة مشاريع إنتاجية لتنوّع مصادر العيش المستقرّة وبالذات للمزارعين الأفغان، كي تبعدهم عن الاستمرار في زراعة المخدرات، إلاّ أنّ ترك هؤلاء المزارعين، وصعود زعماء وأمراء الحرب الداعمين لزراعة المخدرات، جميعها أسباب أدت إلى تنامي المشكلة أكثر، وهذا ما يستوجب التصدِّي له بفعالية، من خلال دعم الحكومة الأفغانية والتعاون الوثيق وتوحيد جميع القوى على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.