هناك رجال استثنائيون.. تتجه بوصلة عطائهم البنائي وإسهامهم الإبداعي ودورهم الريادي وبصماتهم الخالدة إلى صنع التاريخ ومصافحة يد التوثيق، فتبقى مسيرتهم العطائية المثيرة للإعجاب محفوظة في قلب التدوين وأوعية التوثيق ومحفورة في أخاديد الزمن.. لأنهم باختصار رموز كبار بقيمهم الأخلاقية وخصائصهم العطائية وتضحياتهم الجسيمة وقدراتهم الكارزمية.
رائد الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى الأول الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -شفاه الله- من هذه الشخصيات الرياضية الرائدة التي تنتمي لعائلة (الرجال الاستثنائيون) ممن قدموا لرياضة الوطن وعلى مدى ستة عقود زمنية تضحيات جسيمة وعطاءات بارزة ولعب دورا رياديا في نشأة الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى وإعلان قيامها وتحديدا في حقبة الستينيات الهجرية من القرن الفائت في حقبة لم تكن الرياضة مقبولة عند المجتمع النجدي لاعتبارات دينية وثقافية واجتماعية.. غير أن الرمز الكبير نجح بفكره المستنير وعقليته الناضجة وحكمته وكياسته في تغيير هذه القناعات الخاطئة وتبديل هذه مفاهيم المغلوطة عن الرياضة وأهدافها السامية.. منطلقا في مضمار التشييد والبناء وبلياقة مهنية عالية الجودة والإتقان.. فقد أسس أول ناد بالمنطقة الوسطى (نادي الشباب) عام 1367 مع رموز (شيخ الأندية) عبد الله بن أحمد وصالح ظفران وعبد الحميد مشخص -رحمهم الله- وغيرهم من المساهمين في دعم هذه الحركة الشبابية وهي في مهدها، وبعد إرساء قواعد البناء الشبابي وتزعمه عشرة أعوام ودعمه بماله وجهده وتضحياته.. غادر قطار (ابن سعيد) التأسيسي متجها إلى حي الظهيرة الشعبي ليعلن قيام وتأسيس اكبر الأندية السعودية (نادي الهلال) الذي أسسه عام 1377هـ وأصبح هذا الكيان صاحب لقب زعيم الأندية المحلية وأكثرهم تحقيقا للألقاب الذهبية والانجازات الكبيرة، ولم يتوقف نهر (شيخ الرياضيين) المتدفق بماء الدعم والعناية والاهتمام بالحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى التي نهضت على أكتافه بعدما سكبت من على جبينه حبات العرق الواحدة تلو الأخرى.. بل أخذ على عاتقه دعم أندية المنطقة الأخرى ومنهم (نادي النصر) الذي دعمه ماليا بالوثائق والحقائق الدامغة في النصف الأول من عقد الثمانينيات الهجرية من القرن الفارط رغم أنه كان من أكبر المنافسين لناديه (الهلال) الذي أسسه وتزعمه هذا فضلا عن إسهاماته البطولية في دعم أندية خارج المنطقة الوسطى ومن أشهرها ترأسه للنادي الأهلي بجده أواخر السبعينيات الهجرية بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الحل والشتات في أعقاب تخلي رجالات القلعة عن دعم مسيرتها لولا تضحيات ووقفة الرمز الأصيل لكان (أهلي زمان) في عداد النسيان وبشهادة المؤرخين والمعاصرين لتلك الحقبة الأهلاوية.. هكذا كان ينظر الرجل الرشيد.. عبد الرحمن بن سعيد للرياضة من منظور عقلاني وقيمي ووطني بغض النظر عن الشعاات والألوان والمسميات.. لم يكن الرمز الكبير الذي يرقد حاليا في العناية المركزة بمركز الأمير سلطان لأمراض القلب منذ ثلاثة أشهر - شفاه الله- وألبسه ثوب الصحة والعافية.. لم يكن إنسانا عاديا بل صاحب مواقف إنسانية حاضره.. امتدت أياديه البيضاء لتطوق أعناق المحتاجين والمساكين وينفق من ماله الخاص على هذه الفئة لتصافح مشاعره الإنسانية الفياضة قلوب الضعفاء منطلقا من فطرته التي فطّر عليها وتربى على مبادئها وقيمها.. النبيلة كما نقل لي هذه المعلومة القريبين من هذه القامة العملاقة الأصيلة.. إما عن خصائص كرمه وشهامته وسخاه.. فمعروف أن شيخ الرياضيين -شفاه الله - فتح داره العامر برائحة الكرم الحاتمي للرياضيين القدماء ومحبي الرياضة منذ عقود من الزمن ففي كل يوم خميس يفتح قلبه قبل بابه لزواره ومحبيه ويكرمهم ببشاشته المعهودة ونقاوته الفطرية وطيبته المتناهية قبل كرم الولائم والموائد التي اعتاد على إقامتها أسبوعيا لمحبيه، هذا فضلا عن اهتمامه بالتعليم سواء لأبنائه الرياضيين أو الكثير من الناس كان (شيخ الرياضيين) له دور في ابتعاثهم للخارج وكان يذهب بنفسه إلى وزير التعليم العالي آنذاك الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله - ويصر على ابتعاثهم إبان طفرة الابتعاثات الأولى في التسعينيات الهجرية حتى عاد الكثير منهم وقد تسلحوا بالعلم والمعرفة واحتلوا مواقع إدارية ومناصب رفيعة في وطنهم.وربما لو تناولنا سيرة الشيخ الوقور عبد الرحمن بن سعيد فبالتأكيد نحتاج إلى مجلدات لرصد إسهاماته البنائية وعطاءاته السخية وتضحياته الكبيرة للحركة الرياضية خلال ال60عاما الماضية، فضلا عن قيمه الإنسانية وخصائصه التربوية ومواقفه البطولية ومعاييره الاجتماعية الأصيلة التي وضعته في خانة (الاستثناء) في تاريخنا الرياضي.
ما دفعني للصعود إلى قطار (ابن سعيد) التاريخي والتنقل بين محطات حياته الرياضية والإنسانية والاجتماعية والسلوكية. الأزمة الصحية الحرجة التي يمر بها - شيخنا الوقور- وهو يعيش أوضاعًا مرضية حالكة ومازال يرقد على السرير الأبيض في العناية المركزة منذ ثلاثة أشهر.. ويحتاج مّنا الابتهال إلى الرب الرحيم والى المنان الكريم.. بالدعاء له بالشفاء العاجل والاكتساء بكساء العافية ورداء الصحة وثوب الاستقرار.. فلا تنسوا والد الرياضة والرياضيين من الدعاء...!
المحرر