كانت الدعوة المباركة التي وجهتها إليَّ جمعية (أسرتي) بالمدينة المنورة مقدَّمة في القلب والنفس على غيرها من الدعوات؛ فمنذ أن تلقيت تلك الدعوة المباركة لحضور الاحتفال بالزواج الجماعي الثالث في المدينة المنورة أخذتُ أنتظر الأيام تلو الأيام؛ لأحظى بشرف زيارة مسجد خير الأنام، ولاسيما أن لجنة الإعداد والمتابعة في جمعية (أسرتي) قد وجَّهت إليَّ دعوتها المباركة قبل المناسبة بشهور، وأتاحت فرصة الحضور بهذا التنسيق المبكر. وكيف لا تبتهج النفس بدعوة لمناسبة كبيرة كهذه المناسبة التي أُقيمت في الثامن والعشرين من شهر رجب عام 1432هـ، وتم فيها زواج ألف فتى وفتاة، وهي تُقام في طيبة الطيبة، مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حثّ الشباب على الزواج ورغبهم فيه، وأخبرهم بأنه سُنَّته وسُنَّة الأنبياء والمرسلين من قبله.
إنها لمناسبة عظيمة المكانة، جليلة القدر، وإن حضورها لشرف تتوق إليه النفوس التي تسعد بالمشاركة في الاحتفال ببناء هذا العدد الكبير من البيوت المسلمة والأُسَر المستقرة.
أرأيتم - أيها الأحبة - هذه اللهفة التي عاشتها نفسي لحضور هذه المناسبة الكبيرة؟! أرأيتم ما أشرت إليه من الترقب والانتظار ليومها المبارك؟ ومن الفرح الذي غمر نفسي، وملأ قلبي لهذا الاحتفال البهيج؟؟
لقد بدأ معي مطلع القصيدة التي كنت سأشارك بها في هذا المهرجان المدني الكبير منذ الأيام الأولى لتلقِّي تلك الدعوة المباركة..
هنا فُتِحَ الباب الذي كان مُغلَقا
وغرَّد فجرٌ بالضياءِ وأشرقا
هنا طيبة المختار - لله دَرُّها-
ولله دَرُّ المجد فيه تألَّقا
ومع ذلك الترقب والاحتفاء القلبي، ومع إتقان التنسيق بين مكتبي ولجنة الإعداد للمهرجان، ومع إتمام إجراءات الحضور كلها، فإن ظرفاً خاصاً طارئاً حدث قبل موعد السفر إلى المدينة الحبيبة بيومٍ واحد قد حال دون تحقيق هذا المطلب الكبير، ولكم أن تتخيلوا كيف كان الإحساس بالحرمان من حضور هذه المناسبة الكبيرة عميقاً في نفسي، وكيف لا يكون عميقاً وقد حُرمت من السفر إلى طيبة ذات البهاء الروحي الكبير، ومن المشاركة في هذا المهرجان المبارك، ومن دعم هذه الجمعية الرائدة، جمعية (أسرتي)، ومن كسب أجر حضور مهرجان زواج ترتفع فيه راية العَفَاف، وتطبيق سُنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟؟
أتدرون ما الذي خفَّف وطأة هذا الإحساس بالحرمان؟ إنه النجاح الكبير الذي تحقق لهذا المهرجان الزواجي (المدني)؛ فقد تحدَّث عنه مَنْ حضره أحاديث تُثلج الصدر، من حيث الحضور الجماهيري الكبير، ورعاية سمو أمير المدينة المنورة (عبدالعزيز بن ماجد) رئيس مجلس إدارة جمعية (أسرتي) له، ومن الكلمة الضافية التي ألقاها فضيلة الشيخ عبدالباري بن عوَّاض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، الأمين العام لجمعية أسرتي، ومن حيث التنظيم الرائع لهذا الاحتفال الكبير، والنتائج الإيجابية التي حققتها برامج ودورات جمعية أسرتي، وهي برامج تُقام على مدار السنة قبل الاحتفال بالزواج لتوعية وتأهيل المقبلين على الزواج لحياة زوجية مستقرة، وهو أمر يستحق الإشادة والتقدير.
وما أجمل ما قال الشيخ عبدالباري - حسب ما نشره ملحق الرسالة في جريدة المدينة - «الزواج الجماعي إنجاز نسج خيوطه ورسم خطوطه أبناء طيبة الطيبة بجهدهم وفكرهم وعقولهم وجوارحهم، فقدَّموا خدمة جليلة للوطن، ووضعوا بصمة في تاريخ العمل الخيري بكل فخر واعتزاز».
وقد أثنى على انتظام (العرسان) في حضور البرامج والدورات التدريبية.
وهنا أقول:
إن ظاهرة (الزواجات الجماعية) لتدل على وعي من الناس بأهمية دعم هذا الجانب الاجتماعي المهم، وتسهيل أمر الزواج على أبنائنا وبناتنا بهذه الصورة المشرقة التي تحظى بالدعم رسمياً وشعبياً وخيرياً؛ فقد أُقيمت في شهر شعبان لهذا العام نفسه 1432هـ مناسبة كبيرة لزواج جماعي في مدينة الطائف في الاحتفال (السادس) بهذه المناسبة، تم فيها تزويج ثلاثمائة فتى وفتاة، وكان الحفل بحضور سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وبرعاية من محافظ الطائف، وقبل ذلك حدث المهرجان الكبير بتزويج مئات الأيتام في الرياض بدعم من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد، وفي مكة المكرمة وجدة والدمام وأبها وجازان والباحة أُقيمت مهرجانات من هذا النوع تتفاوت في حجمها وتغطيتها الإعلامية، ولكنها جميعها تُثلج الصدر، وتدل على مواصلة الجهود في هذا المجال؛ فالحمد لله الذي هيأ هذا، وجزى الله كل مَنْ يسهم في دعم هذه المهرجانات المباركة خير الجزاء.
إشارة:
رأيت هنا جذعاً يحنُّ ومنبراً
كريماً ونخلاً بالمروءات أَعذَقا