تقاس حضارة أي أمة من الأمم بدرجة ما آل إليه وضع المرأة ودورها ومكانتها، وهي تمثل كماً نصف المجتمع، وكيفاً فهي الأم المربية والأخت والزوجة والابنة، وهي الطبيبة والمعلمة والكاتبة والإعلامية والباحثة العلمية وسيدة الأعمال والخبيرة في شئون الأسرة ورعاية الطفولة، وذوي الفئات الخاصة كبار السن...الخ.
ويمكن القول إن المرأة كلما أتحنا لها مستوى راق من التعليم والسمو بإمكاناتها والرقي بقدراتها انعكس ذلك- حتماً- في مسلكياتها وعلى نحو متميز وطيب يشهد له الجميع نلمسه ونعايشه ونتفاعل معه عن قناعة ورضا وقبول دون افتئات على حقوقها الإنسانية متمثلاً في الاحترام والتقدير والعرفان «وما منا إلا له مقام معلوم»..
ومن خلال هذا المفهوم تنطلق الحياة الاجتماعية الإنسانية في نطاق الهوية العربية ونوعية الحياة في بلادنا وفقاً لثقافتنا الإسلامية التي تحض على تأكيد دور المرأة النهضوي وعدم النيل من حقوقها الأساسية في المشاركة الفاعلة في صنع النهضة في بلدها وتمكينها في الانتقال من الرغبة إلى القدرة. ولدينا قصص نجاح كبيرة وعظيمة الآن تدحض فكرة الخوف على المرأة من أن تضل الطريق لضعف المهارة أو قلة التجربة أو عدم الإلمام بلغة المقابل ومهابة التواصل، ومن أسف أن من يتبنى هذه الفكرة قد جانبه الصواب وإشارته خاطئة، حيث إن الرسالة التي تحملها المرأة فهي تؤديها بنجاح فائق ولا تحتاج سوى منحها الثقة في إمكاناتها وقدراتها والخروج الآن من الانغلاقية ويحدونا شجاعة الاعتراف بأنه قد تباطأت جهودنا في تمكين المرأة الأمر الذي بات ينذر بخطر التحول في نوعية الحياة بفعل تدفق المعلومات التي صارت مفروضة علينا ويغيب عنا سبل التحكم فيها والهادرة إلينا عبر القنوات الفضائية والإنترنت والفيس بوك والتويتر والشات.. الخ.
وهذه المتغيرات ساعدت في خلق عقلية جديدة وأعادت تشكيل منظومة الثقافة ومن ثم دفعت برؤى وتوجهات مغايرة تحمل شعارات الحداثة وما بعد الحداثة.
هذه الأمور طرحت علينا سؤالاً مؤداه:
في خضم هذه المتغيرات الحادثة كيف تتحقق استراتيجيات مخططات التنمية وكيف يتحقق النهوض والتقدم المأمول؟
والإجابة هي أن نمكن المرأة -وهي نصف المجتمع- من تحمل مسئوليتها وهي أهل لها... ومن حصولها على حقها في العمل ومشاركة الرجل في البناء والإعمار، ولا يفضل أحدهما على الآخر إلا فيما يخضع لنظرية التفريد والفروق الفردية وبحسب الاستعدادات والقدرات العقلية والبدنية.
والجدير بالذكر أنه لو مضت أمور المرأة على ما يرام رغم تحديات المعاصرة -وكم هي معقدة وصعبة- ستحظى المرأة بموجبه على التوافق مع الذات ومع المحيط ومع المجتمع بكليته مما يؤدي إلى النماء والنهوض وبلوغ غاية التقدم المنشود ويقتضي ذلك الاقتناع بإعادة تنظيم أفكارنا، وتفعيل الدور الاجتماعي الإنساني للمرأة وإعادة نظم تشغيلها ومدها بالمهارات اللازمة لمهنتها بحيث تتحمل مسئوليتها كاملة، ووضع معايير نظامية لوائحية أخلاقية تجعل تمكين المرأة مقبولاً وملائماً لكينونتها وسيكون هذا هو الرجاء الأفضل لصالح واقعنا المعاصر وطموحاتنا المستقبلية.