جلست ترقب السحابة المقبلة..
طمحت أن تدر بمائها..
غير أنها لو فعلت ربما لن تصيبني قطراتها قالت..
فهي بعيدة.., وسلطان ناظري لا يحتمل شسع الفضاء الذي تطل منه..
السحابة مرت بعيدا، ولم تكن حبلى بمائها..
لا مطر ولا ندى..
والجفاف يعتريها..
كل الذي يلفها طقس حار، ووقت صامت، وهجدة أصوات..
الوقت عصرا، والشمس لامعة عن بعد, غير أنها لا تظهر من واجهة مجلسها..
حولها زغب القطا.. يتنططون..
وبهدوء تسحب قدميها، تدسهما في ماء بارد,
ثم تدخل بعينيها ,وفكرها بين غلافي كتاب..
هذا الريفي يكتب عن طقوس المزارعين، وكل مرج أخضر, زُرع شبرا شبرا بعرق جبينه..
الكاتب رسام,..
لكنه موبوء بأمراض الأحلام التي تتراكم ثم تقض مضجعه،..
ثم تولي هاربة مع صبيحة كل يوم جديد..
أطفالها يحلمون بدثر، وبنسائم تمنحهم رونق الراحة..
الريفي في الجنوب الشرقي من أفريقيا يلتهم اهتمامها..
تلقي الكتاب جانبا ثم، تحتضن صغارها وترتل آيات الشكر:
لا مروج، ولا زروع ,ولا قيظ، ولا زمهرير..
إلا هنا، هنا في داخل رأسي..
السحابة مرقت، من فرط تطلعها زغللت عينيها,
ولم تجدها في الفضاء..
خفتت أشعة الشمس، ومال اللون للرمادي على امتداد ناظريها..
تتفحص الفرق بين لون الظهيرة والعصر، وأوان الغروب..
ثم ما تلبث تهز رأسها..
شيء من التناقض والتداخل والاختلاف..
الصغار لا يزالون يمرحون في ضوء توجيهاتها، بأصوات خافتة..
حين احتضنتهم انطلقت أساريرهم ..
لكن صوتها أعادهم للهدوء..
قليلا ,واكتشفت سقوط صغيرها من دَرج البيت..،
شُق رأسه ,ولم تفلح في كبح الدماء..
ترفع صوتها نحو بقية صغارها: لم لا تنادون..؟
صامتين بقوا..
عرفت أنها لجمت فرحتهم باللعب، فخافوا أن تعاقبهم بالإصابة..
الصغار لا يعرفون الفارق..
مشغولة بأفكارها..
والألوان التي كانت تتفكر فيها..
زيد إليها لون الدم..