أتيحت لي الفرصة مؤخراً لزيارة الملحقية التعليمية بواشنطن. أطلعني الزملاء على مبانيها الحديثة، وتباهوا أمامي بأعداد المبتعثين ومرافقيهم وببرامج التعاون الفرحة مع الجامعات الأمريكية، خصوصاً في البرامج الطبية والصحية، وقد كنت سعيداً بالحديث حولها مع سعادة الدكتورة سمر السقاف، صاحبة الحماس الكبير والجهد الدؤوب البارز في هذا المجال.
ليس جديداً أن أكتب عن فخرنا ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للبعثات التعليمية خارج المملكة، وأبث تقديري الكبير لكل الجهود التي يبذلها الزملاء في الملحقيات التعليمية. رغم ذلك فلا بأس من بعض الملاحظات التي خرجت بها من مشاهدات ولقاءات جانبية مع الطرف الآخر من المعادلة، ألا وهو الطالب...
المستفيد الأول من خدمات الملحقية هو الطالب الطالبة المبتعث، وأولى الملاحظات التي وجدتها هي تجمع الطلاب في مقر الملحقية التعليمية، يحملون أوراقهم وهمومهم ويطاردون المسئولين والمشرفين في الردهات، بشكل أعادني بالذكريات إلى عمل الدوائر الحكومية. تساءلت هل نحن في مقر بلدية متطور أم في ملحقية تعليمية في عصر التقنية؟ لماذا يحضر الطلاب إلى مقر الملحقية؟ أين هي التعاملات الإلكترونية التي نسمع عنها؟ هل أصبحت الملحقية أكثر تقدماً أم تأخراً حينما أقارنها بأيام بعثتي ولم أحتج حينها لزيارتها شخصياً؟
سألت بعض الطلاب لِمَ تحضرون للملحقية؟ وجدت طالبة تأتي بالطائرة على رحلة تستغرق أكثر من ساعتين لأنه لم يتم التجاوب مع اتصالاتها، وبعثتها توشك أن تنتهي. وجدت طالبا اضطر لدفع علاج ابنه الذي تجاوز حد التأمين ووعدته الملحقية بدفع الفارق ولم ينجز ذلك الوعد لعدة أشهر ولم يعد أمامه سوى استعطاف المسئولين بالملحقية أو العودة لعدم قدرته تحمل الديون. وجدت طالبا انتهت بعثته ويريد تصديق شهاداته وإنهاء إجراءات عودته. وجدت مبتعثين جددا، ابلغهم زملاؤهم القدامى بأن عدم مروركم على الملحقية يعني تأخر فتح ملفاتكم أسابيع وربما أشهر. الشكوى المتكررة من الطلاب؛ لا أحد يجيب عن اتصالاتنا. يتم وعدنا ولا تنفذ الوعود في الوقت المناسب!
يحتج المسئول بكبر حجم أعداد المبتعثين وذويهم، لكنني وجدت أن حلولهم لم تتجاوز تكديس مزيد من الموظفين والمشرفين، بدلاً من تطوير آليات العمل واستخدام التقنية بشكل أفضل. العمل كما لاحظته يتم وفق طرق بيروقراطية تتطلب حلولاً تنظيمية وإدارية بالدرجة الأولى. تصوروا هذا السيناريو: يأتي الطالب من مقر دراسته وقد يبعد ساعات طيران عن واشنطن للحصول على خدمة ما فيقوم بتعبئة نموذج ورقي، ثم يقوم المشرف الموظف بمراجعته وإنهاء التواقيع اللازمة عليه ثم إدخاله بالحاسب الآلي. تماماً كما يحدث في أي دائرة حكومية التقنيات لديها مجرد حاسب حفظ وأرشفة.
أما ما سمي بيوم المهنة، فتقييم العائد منه سيبدو صعباً في ظل الحملات الإعلامية المصاحبة له بما فيها استضافة الكتاب لحضوره والكتابة عنه، بالمديح طبعاً. لذلك أكتفي بالأسئلة؛ ما هو الهدف و العائد الحقيقي من هذا اليوم؟ كم عدد الذين تم فعلاً توظيفهم في هذا اليوم؟ أليس من الرشاد أن يقام هذا اليوم بالمملكة؟ هل من المنطق أن يذهب ما لا يقل عن مائة مسئول من جامعاتنا لحضور احتفال بواشنطن دون فائدة تذكر؟ هل يتوازى العائد من هذا اليوم مع ما تم صرفه عليه من ملايين الدولارات؟ كيف وجد مسؤولو الملحقية الوقت والجهد لتنظيم هذا اليوم الكبير وهم يبررون تأخير معاملات الطلاب بأنهم يبذلون كل الجهد والوقت لخدمتهم؟
لقد تعودت ألا تخدعني طقوس الحفلات وبهجتها عن طرح الأسئلة، والسؤال الجوهري لدي هنا يتعلق بجودة الخدمة التي تقدمها الملحقية للطلاب، وماعدا ذلك أراه مجرد دعاية...
malkhazim@hotmail.com