يلومني البعض حينما أتحسّر على أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية، وتأخر عجلة النمو والتطور لدينا، وأقارن ذلك بدولة مثل دولة الإمارات الشقيقة؛ لأنهم يظنون أن طموحنا يجب ألا يكون الإمارات، مع تقديرنا الكبير لها، وإنما يجب أن نطمح إلى الوصول إلى مستويات دول أوروبا أو دول شرق آسيا المتطورة كاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة!
كل هذا منطقي ومشروع، لكنه غير واقعي، فالطموح والحلم شيء، والواقع شيء آخر، فأن تنمو مدينة مثل دبي بشكل مذهل خلال سنوات قليلة، وتصبح وجهة الأوروبيين السياحية خاصة في الشتاء، هو أمر غير سهل إطلاقاً، أن تُنجز البنية الأساسية للنقل العام التي حلمنا بها منذ الطفولة، وحلم بها آباؤنا من قبلنا، ولم نتجاوز بعد حافلات «خط البلدة»، هو أمر شائك ومعقَّد، أن تُخطط هذه المدينة البحرية الصغيرة لمشروع كبير لقطارات «المترو» في أنحائها كافة، وبطريقة لا تختلف إطلاقاً عن «مترو» باريس، ولا «أندر قراوند» لندن، بينما ظللنا نلوك حكاية مترو المشاعر ونتحدث عنه، كما لو أننا جلبنا الأهرامات إلى ينبع على ناقلات نفط، هو أمر يجعلنا لا نحلم أكثر مما نعرف من أوضاعنا المتأخرة!
ماذا أقول أيضاً؛ كي نتذكر أننا لا نريد أكثر من نصف طموحات دبي، هل أقول إن المدارس هناك بدأت في استبدال الكتب بأجهزة الآي باد مثلاً، بينما لم نزل نتخاصم: «نغيّر المناهج ولا ما نغيّر؟» ولم تزل كتبنا القديمة الثقيلة لم تتغير، ولم تخلع عنها الدمغة الشهيرة (يوزّع مجاناً ولا يُباع)، ولا أعرف بكل صدق من منكم فكّر أن يبيع كتاباً مدرسياً عفا عليه الزمن؟! كل هذا يحدث في الوقت الذي لا نستغرب فيه أن نقرأ خبراً في صحيفة إلكترونية يقول إن التحقيقات ما زالت جارية في إحدى مدارس البنات المتوسطة؛ لأنهن أدخلن جهاز آي باد وقمن بالتصوير به، وأن المديرة بدأت في استجواب الطالبات المتورطات في القضية (يا ساتر.. متورطات؟ وقضية كمان؟) ومعرفة الدوافع التي دعتهن لالتقاط تلك الصور (الدوافع؟ لا يكون مرسلهن الموساد؟).. هل عرفتم الفرق يا سادة يا كرام؟
ولعل حكاية الوالدة الإماراتية موزة نقحان أو أم علي، ذات الخمسة والثمانين ربيعاً، التي بثت قنوات فضائية تقريراً عنها من رأس الخيمة، وهي بالبرقع الإماراتي الشهير تقود سيارتها اللكزس القديمة، وتقوم بإصلاح أعطالها بنفسها، وتنقل أحفادها إلى مدارسهم، وهي التي قادت السيارة منذ 45 عاماً، ومقارنتها بما يحدث عندنا من ثرثرة طويلة جداً حول قيادة المرأة للسيارة، بل واتهامات ضد كل من يؤيد هذا الأمر، يثبت أننا لن نستطيع أن نحلم بشيء إطلاقاً!
هل أستمر أم أوقف مقالي؟ بل سأختتم بهذه الفقرة: تخيلوا، في هذه المدينة الصغيرة، لم يعد الأمر هو التباهي بناطحات السحاب؛ فهذا الأمر أصبح يلمحه السائح في أصغر مدن الإمارات؛ حيث إنشاء ناطحة سحاب هناك في دبي أو الشارقة أو أبو ظبي أصبح لا يختلف عن بناء استراحة في الثمامة، ولكن المهم عندهم هو بناء الثقافة والاستثمار في العنصر البشري؛ فكل ما هو موجود في العالم أصبح يأتي على قدميه إلى الإمارات، حتى متحف اللوفر، المتحف الفرنسي العريق، جاء إلى أبو ظبي سعياً، وربما في الطريق ستأتي متاحف أخرى مهمة في العالم!