قد يجهل بعضنا حالة الخوف الذي ترتعد لها فرائص المبدع الحقيقي حينما يمسك بالقلم ليكتب ما يعلم أن جمهرة كبيرة من الناس تنتظره بشوق عارم وترقب ولهفة ليقينها وثقتها المبنية على تجارب سابقة، ولأن الإبداع الحقيقي يجب أن تهيأ له الأرضية الطبيعية للسير حيث لا يأتي وأنت كمن ينظر إلى خطواته وهو أثناء سيره فوق خيط رفيع خوفاً من السقوط إذ كيف له أن يجمع بين مسؤولية مواجهة عبء الثقة وتلقائية الكتابة والتداعي دون سيطرة الوعي الكامل أثناء العملية الإبداعية.
لذا أظن أن احتجاب أو قلة كتابة المبدع مع تقدم العمر والتجارب تعود إلى أن الرقيب الداخلي أصبح أكثر صرامة وأكثر يقظة من ذي قبل وهنا قد يكون من الصعب الجمع بين حالة الوعي واللاوعي أو محاولة الوقوف في النقطة الفاصلة بينهما ليحصل في النهاية على نص يحقق إرضاء الرقيب وإرضاء النفس بعدم التقيد بتوجيهات العقل الصارمة.
وقد يصل بعض المبدعين - وهم قلة - بعد عمر من التجارب إلى درجة الحرفية الراقية بحيث يوهم متلقيه أن ما كتبه كان بريشة الروح لا بريشة العقل وتلك حالة أخرى من الإبداع لا يقدر عليها الكثير من المبدعين.
وقفة لمعروف الرصافي:
إني لأنتزع المعنى الصحيح على
عرى فأكسوه لفظاً قد من درر
ما جئت منزلة إلا بنيت بها
بيتاً من الشعر لا بيتاً من الشعر
لا يحسن الشعر إلا وهو مبتكر
وأي حسن بشعر غير مبتكر
fm3456@hotmail.com