كتب - محرر الوراق
أصدر الباحث المتميز الأستاذ سليمان بن محمد الحديثي مؤلفه الجديد مؤخراً والذي صدر بعنوان «يوم بكت الصحافة، سيرة الأديب والصحفي الراحل علي العبداني»، يتناول فيه سيرة أحد رواد الصحافة في نجد وهو الأديب والصحفي الراحل علي بن حمد العبداني -رحمه الله-. وقد انتابني الذهول عندما علمت أن هذا الصحفي الذي مكثت الصحافة السعودية تبكيه وتنشر المقالات والقصائد في رثائه عدة أسابيع قد توفي ولم يبلغ السادسة والعشرين من عمره.
يقول الأستاذ سليمان الحديثي في مقدمته للكتاب متحدثاً عن علي العبداني: «قال عنه أحدُ العلماءِ في مقالةٍ منشورةٍ يرثيه: إنَّهُ النُّوْرُ الَّذِي غَزَا الظّلامَ فبَدّد جيوشَه، ووصفه آخرون بالعصامي، والأديب البليغ، والكاتب صاحب القلم الجبار، والخطيب المفوَّه. واتفقوا على أنه كان وَطَنِيَّاً شديد الغيرة على وطنه وأمته. توفي وهو دون السادسة والعشرين من عمره، فَذُهِلَ كُلُّ مَن عَرَفَه، وأُصِيْبَ كثيرٌ منهم بصدمةٍ كادت أن تُفْقِدَهم صوابهم. ظلت الصحف تنشر المقالات في تأبينه، والقصائد في رثائه، والتعازي عدة أسابيع. ونعتته الجرائد السعودية بـ فَقِيْد الصّحَافة».
وحين نُطالع الكتاب نجد أن رموز الثقافة في البلد قد رثوه وكتبوا المقالات في تأبينه من أمثال الشيوخ والأدباء: حمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، وعبدالمحسن التويجري، ومحمد بن دخيّل، وعبدالكريم الجهيمان، وعبدالله بن إدريس، وزيد الفياض، وسعد البواردي، وإبراهيم الدامغ، وعلي حسن فدعق، وغيرهم من العلماء والأدباء والشعراء.
وقد أعجبني وصف أحد الأشخاص للعبداني بقوله: إنه نابغة البكيرية، وتعجبت حين عرفت أن هذا الصدى الكبير الذي خلّفه العبداني كان نتاج خمس سنوات من العمل في الصحافة فقط، فماذا كان سيحدث لو طال به العمر.
الكتاب
قسم مؤلف الكتاب الأستاذ سليمان الحديثي كتابه إلى أربعة أقسام رئيسية:
الأول: عن ولادته عام 1353هـ ونشأته في مدينة البكيرية ودراسته فيها ثم انتقاله إلى الرياض ومواصلة دراسته ثم عمله مديراً لأول مطابع في نجد، وانضمامه إلى أسرة تحرير جريدة اليمامة منذ بدايتها، بل إنه كان يترأس تحريرها في فترة سفر الشيخ حمد الجاسر، إلى أن يصل المؤلف إلى وفاته عام 1379هـ، قرب مدينة جدة، ليصبح على حد قول المؤلف أول صحفي سعودي يموت بسبب تأدية عمله. كما تحدث في هذا الفصل عن لقاء العبداني بالملك سعود، وكلمته التي ألقاها أمامه في الحفل الذي أقامه أهالي البكيرية عند استقبالهم الملك سعود في شهر جمادى الثانية من عام 1373هـ.
الثاني: جمع في هذا الفصل مجموعة من مقالات علي العبداني -رحمه الله-، وكما ذكر المؤلف فإن «الغالبية المطلقة من مقالاته مختصة بالشئون الداخلية، وحاجات المواطنين، وهمومهم، وشئونهم، ومشاكلهم الاجتماعية، والمعيشية، وبما تحتاجه مدينة الرياض وبقية المدن والقرى السعودية من خدمات، وإصلاحات، وفي تطوير التعليم ومحو الأمية، والاهتمام بالصحة والمستشفيات. وأحياناً يكتب في شئون السياسة. كما كتب سلسلة قصصية بعنوان: «قال الشيخ لتلميذه»، ونراه أحياناً يكتب رسالة البكيرية ضمن الزاوية الخاصة برسائل المدن والأقاليم، وهذه الزاوية تهتم بآخر أخبار هذه المدن والقرى.
ومَن يُطالع مقالاته يرى فيها صدق اللهجة، والجرأة، والبحث المستمر عن حلول لمشاكل يعيشها المجتمع، ومطالبة المسؤولين بتأدية واجبهم تجاه الوطن والمواطن. كان كاتباً وطنيَّاً، سَخَّرَ قلمه لخدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه اليومية. حَارب الفساد الإداري، وكشف جشع التجار، مطالباً بوضع حدٍ لطمعهم وجشعهم. طالب بإصلاحات في التعليم، والصحة، وأمانة مدينة الرياض، والطرق، والمواصلات، وسكة الحديد، والمطار.. وغيرها.
وبالإجمال فقد كان مرآة صادقة لواقع المجتمع، خاصة في مدينة الرياض، وكان القلم الأمين الذي حمل هموم عامة الناس، وأوصلها إلى الجهات المعنية، ذات الاختصاص. وقد واجه في سبيل ذلك مجموعة من المتاعب والمصاعب، كما هو واضح من المقالات التي كُتبت في تأبينه».
الثالث: المراثي والتعازي، وأورد فيه كل ما وجده من مقالات وقصائد منشور في تأبينه ورثائه بعد وفاته مباشرة.
الرابع: العودة إلى الذاكرة، وفي هذا القسم نجد ما كتب عن العبداني في المؤلفات التي صدرت بعد وفاته بأكثر من أربعين سنة، ومن أبرزها ما كتبه الشيخ عبدالله البسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون، والدكتور عبدالعزيز بن سلمة، والدكتور عثمان الصوينع، والشيخ صالح الخضيري، والأستاذ محمد القشعمي. جاء الكتاب في 207 صفحات، وقد زوده المؤلف بمجموعة من الصور والوثائق النادرة.