لا شك أن القيادة الفلسطينية تعيش صيفاً غير عادي بكل ما تعنيه الكلمة، صيفاً ساخناً بسخونة الأجواء والأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية. من إشكاليات تتويج المصالحة الفلسطينية بحكومة ترضي كل الأطراف إلى الباب المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات مع إسرائيل. وبخصوص وضع تشكيل حكومة فلسطينية فهم، الفلسطينيون، قادرون على ذلك إذا ما تركوا وحدهم لتقرير شأنهم الداخلي بدون تدخل من القوى الخارجية ذات المصالح والرؤى المتباينة.
وبكل التعقيدات التي تواجه الفلسطينيين في هذا المضمار؛ فالمحصلة النهائية بأنهم سوف يتفقون عاجلاً أو آجلاً على حكومة متفق عليها وترضي فتح وحماس للبدء في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية للمجلس النيابي الفلسطيني كمرحلة لاحقة. بيد أن المعضلة التي تواجه القيادة الفلسطينية هي معضلة مفاوضات السلام مع إسرائيل والتي قوضت بشكل لم يسبق له مثيل منذ أمد بعيد بسب إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على المضي قدما في مشاريع استيطانية متسارعة تسابق الزمن في الأراضي الفلسطينية والمعترف دولياً بها كأراض محتلة بما فيها القدس. ويبدو حال القيادة الفلسطينية الحالي كمن يلعب لعبة الروليت الروسي (Russian Roulette)، وهي لعبة حظ روسية مميتة يقوم بها شخص للإقدام على الانتحار أو إثبات الشجاعة، وذلك بوضع رصاصة واحدة في مسدس يحمل خزانة ست رصاصات ويتم تدوير أسطوانة المسدس عدة مرات ليصبح من المستحيل معرفة أين هي الرصاصة القاتلة، ثم يوجه المسدس لرأسه ويقوم بسحب الزناد معرضا نفسه لموت محتوم بنسبة واحد إلى ستة. ويذكر بأن داعية الحقوق المدنية المسلم ذا الأصول الإفريقية مالكوم أكس لعب هذه اللعبة في فترة شبابه وقبل إسلامه. ومن المفارقات هنا بأن هناك شبهاً كبيراً في كل من الهيئة والشخصية بين مالكوم والرئيس أوباما، وإن كان مالكوم رجل حقوق مدنية والرئيس أوباما رجل سياسة يتعامل مع الكثير من المؤثرات التي تجعله يترنح في مواقفه بطريقة السياسي الذي يحاول إرضاء كافة الأطراف، لينتهي به المطاف إلى إغضابها جميعاً، وهذا ما فطن له الرئيس أوباما من رافض لكل أشكال الاستيطان، وبأنها تشكل عائقاً أساسيا في نجاح عملية السلام وتقدمها إلى ناقد وبشدة للمصالحة الفلسطينية بين كل من فتح وحماس، وبأنها هي لا غيرها من يعوق تقدم الجهود السلمية في المنطقة. هذه هي لعبة السياسة دوماً توجيه الضربات إلى الحلقة الأضعف، وهي هنا بالتأكيد الفلسطينيون، والذين فرحوا وانتشوا بفوز الرئيس أوباما بسدة الحكم في القوة العظمى في العالم، والتي تستطيع وحدها أن تقنع إسرائيل بأهمية السلام الشامل والذي سيكون في مصلحة الجميع. غير أن القيادة الفلسطينية عليها أن تلعب شكلاً آخر من الروليت الروسي، روليت فلسطيني بمسدس محشو برصاصتين، أحدهما المضي قدماً في السعي للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة والأخرى العودة إلى مفاوضات لم تسمن ولم تغن من جوع، وعليها تصويب طلقة صائبةي وقت حرج للغاية وبضغوط من كل اتجاه. فيما يخص الرئيس أوباما فيبدو أنه فهم الدرس جيداً أو بأنه لعب اللعبة بذكاء حاد حيث قام بنقد إسرائيل ومشاريعها الاستيطانية ثم التف على موقفه وبلع كلامه وبدهاء استرضى اللوبي اليهودي من خلال خطابه الأخير في اجتماعات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ( أيباك)، وشدد بالأيمان المغلظة بأن العلاقة الإستراتجية القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لن يعكر صفوها أي أمر مهما علا وجل قدره. فالرئيس الأمريكي أوباما لا يمكن أن يلام فهو على مشارف انتخابات رئاسية قريبة ستكون حتماً شرسة وسيقدم فيها المرشحون كل ما في وسعهم لإرضاء ناخبيهم.بدأ الرئيس أوباما فتح ملف الصراع العربي الإسرائيلي في الفترات الأولى في عهدته الرئاسية الأولى في سابقة تخالف لما كان عليه الوضع مع الرؤساء الأمريكيين السابقين والذين كانوا يتركون موضوع ملف الشرق الأوسط إلى آخر عهدهم الرئاسية أو بعدم الالتفات إليه مطلقاً لمعرفتهم بحساسيته. وإصرار الرئيس كلينتون على إحلال السلام بالشرق الأوسط يذهب بدون ثمن لمحاولاته فكانت فضيحة « مونيكا غيت»، وهي فضحية مونيكا صامويل لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض وارتبطت بعلاقة جنسية مع الرئيس بيل كلينتون، ولعل الرئيس أوباما تعلم من درس الرئيس كلينتون والتي أثرت الفضيحة في سمعته وكادت أن تعزله من منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان الرئيس كلينتون سلم من العواقب السياسية للفضيحة فأنه لم يسلم من عواقبها الصحية والتي سببت في إجرائه لعملية قلب مفتوح. ولقد أوردت السيدة هيلاري كلينتون في مذكراتها « أعيش التاريخ» شعورها عندما انطلقت فضيحة مونيكا» بعد أن نشرت الصحف الخبر وبدأ الناس يعلقون عليه، تأكد لي أن موضوع لوينسكي حلقة جديدة من سلسلة مؤامرات واتهامات ضد زوجي خلال سنوات عمله في السياسة! أعداؤه قالوا إنه يتاجر في المخدرات، وإن عاهرة أنجبت له طفلاً غير شرعي». لكن الرئيس كلينتون اعترف بالعلاقة رسمياً وعلنياً في السابع عشر من أغسطس 1998م. ويبدو أن قرب الرئيس أوباما بهيلاري كلينتون بكونها وزيرة خارجيته فيه ذكرى وعبرة ماثلة أمام عينيه لما قد تؤول إليه الأمور، خصوصاً بأن الرئيس أوباما ملاحق بكثير من الشائعات في الولايات المتحدة بكونه مسلماً يخفي إسلامه وبأنه ليس من مواليد الولايات المتحدة والتي هي من الشروط الواجب توافرها لمن يرشح نفسه لرئاسالولايات المتحدة.على كل حال، فالقيادة الفلسطينية في حيرة من أمرها وبشكل استثنائي، فمن جهة هي لا ترغب في إغضاب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والذين حذروها من الذهاب إلى الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 بالقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة. وبهذا الصدد تم ويتم توجيه رسائل مهددة وأخرى مرغبة وتم تكثيف سياسة العصي والجزرة في مساعي حثيثة وغير مسبوقة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لثني القيادة الفلسطينية عن مسعاها باعتراف دولي بها. وفى هذا المسعى أوفدت القيادة الفلسطينية كلا من مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل أبو ردينة ورئيس دائرة المفاوضات الفلسطينية الدكتور صائب عريقات لاستكشاف الموقف الأمريكي عن قرب والذي يرى بأن العودة إلى المفاوضات هو السبيل الوحيد لمنع الفلسطينيين من الذهاب للأمم المتحدة. في المقابل تعرف القيادة الفلسطينية معرفة اليقين بان الفرصة المتاحة لها الآن بالحصول على اعتراف عالمي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م فرصة لن تتكرر مرة أخرى، على الأقل في المستقبل القريب، حيث إن هناك تعاطفاً عالمياً يصعب تكراره بمعاناة الفلسطينيين وبأن فرصة حصولهم على اعتراف عالمي بهم في سبتمبر تكاد تكون محسوبة لصالحهم. ويمكن قراءة صحة هذا الافتراض بأنه لم يبق مكان على هذه البسيطة وطأته رجل فلسطينية تبحث عن تأييد إلا وسبقته أو تلته رجل إسرائيلية في محاولة لتغيير الموقف المؤيد للحق الفلسطيني، والذئب الإسرائيلي لا يهرول عبثاً، ويبدو أن إسرائيل مرعوبة وبشكل لم يسبق له مثيل من سيناريو اعتراف دولي بدولة فلسطينية، رعباً جعلها تؤكد سقوطها أخلاقياً وكعادتها في المساومة بكل الأوراق الضاغطة والتي في حوزتها والتي لم تستثن منها حتى الموتى، وذلك برفضها تسليم جثث أربعة وثمانين شهيداً فلسطينيا إلى ذويهم لدفنهم. هذه هي إسرائيل وهذه هي أخلاقيتها ولا عجب. بقي على العرب والذين سيجتمعون قريباً للبث في قرار الفلسطينيين بالذهاب أو عدمه للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل أن يقدموا كل ما يلزم لدعمهم لاتخاذ القرار الصائب لمصلحة الشعب الفلسطيني، وهو قرار تاريخي ومفصلي في مسار القضية خصوصاً أن الأقدار هيأت للجامعة العربية أميناً عاماً خبيراً ومرجعاً بالشأن الأمريكي والإسرائيلي السيد/ نبيل العربي. الحقائق تقول جرب الفلطينيون المفاوضات وبعمر أجيال ولم تفض لشيء، والحال والوضع على الأرض يقول بأنه آن لهم أن يجربوا شيئاً آخر. ويقول المثل الشعبي الفلسطيني «اللي يجرب المجرب يبقى عقله مخرب». والأمثال هي ذاكرة وتجارب الشعوب وغالباً ما تكون صائبة.
* باحث إعلامي
Alfal1@ hotmail.com