تاريخ جبروت قادة أمريكا تمتد جذوره إلى حين وطئت أقدام أولئك الأوروبيين قبل قرون مضت. وكان من مظاهر ذلك الجبروت الفظيع ارتكابهم ما ارتكبوه من جرائم ضد سكان القارة الأمريكية الأصليين،
وهي جرائم منها استخدام الأسلحة الجرثومية لأول مرة في تاريخ الإنسان حسب علم كاتب هذه السطور. وكان من مظاهر إيدولوجية بعض أولئك القادة تصهينهم الواضح.
وواصلت عجلة تاريخ قادة أمريكا سيرها حتى الحرب العالمية الثانية، التي كان من مفاصل حسم نهايتها ارتكاب تلك الدولة العاتية الجبارة ما ارتكبته من جريمة فظيعة ضد هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، مستخدمة السلاح النووي لأول مرة في تاريخ الإنسانية، حسب علم كاتب هذه السطور أيضاً. وبنهاية تلك الحرب انطلقت بوادر هيمنة أمريكا على العالم في كل اتجاه ومع مرور الأيام ازدادت تلك الهيمنة رسوخا وكان من أدوات ترسيخ تلك الدولة لهيمنتها مقدرتها على التحكم بشكل واضح جلي في كل من الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن والبنك الدولي، وكنت قد عبرت عن نظرتي إلى ذلك في أبيات من قصيدة عنوانها: الشجن المر، وذلك عندما كان الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي، قائلاً:
غير مأسوف على زمنٍ
ينقضي بالهم والحزن
قالها قبلي أخو شجن
فأثار المرَّ من شجني
قالها صدقاً وكيف به
لو رأى ماساد في زمني
من مآسي عالم سلبت
كل حر لذة العرس
تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدخن
دولة من كيدها ملئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
حيثما شاءت له يكن
وأمين من صنائعها
نصبته غير مؤتمن
جده المشهور علمه
غدره بالأهل والوطن
وكان الشاعر علي القري، رحمه الله، قد زار أمريكا، وكتب قصيدة من أبياتها ما صوَّر وضع مجلس الأمن تصويراً بليغاً حول هيمنتها عليه قائلاً:
حيث إنها دولة له ظفر ومخلب وناب
في مجلس الأمن مندوبه يشق ويخيط
وكان لشاعر القصب المشهور، حميدان الشويعر، قصب السبق في وصف الحياة التي عاشها مجتمعه، آخر القرن الحادي عشر وأول الثاني عشر من الهجرة، بمختلف وجوه تلك الحياة. ولقد اشتمل شعره على حِكَمٍ لها دلالاتها الموحية وكثيراً ما بث تلك الحِكَم في قصائد ذات وزن شعري قصير سماه البعض (الحميداني) ومن وحي تلك الحِكَم، ومحاكاة لذلك الوزن، كتبت قصيدة عنوانها: (حميدانية) ومن أبياتها المتصلة بالموضوع المتحدث عنه في هذه المقالة بالذات:
السياسة لا تقربها
طعمها يلولش لولاش
ياما من رزينٍ عاقل
طقَّه من قربها خراشِ
لو هو سهلٍ هرجٍ فيها
معناها دقاق وجراشِ
أوجزها خبير فاهم
دنيا العمله والرشَّاشِ
كل العالم بيد أمريكا
تلعب به طاش وما طاشِ
ما غير تعيزل وتبيزل
دون بريك ودون فلاشِ
هذا تجدع عظمٍ بثمه
وذا من دونه فشفاشِ
واللي يعاند إن رافت به
تحيله على المعاشِ
لو هي ما تطلع من شوفة
طغمة صهيون الأوباش
ذا دابه من عهد كلينتون
واللي قبله به هشهاشِ
كله واحد من يقوده
بوشٍ والا اللِّي ما باشِ
وعلى أي حال، فإن الواقع المتمثل فيما ارتكب في أفغانستان والعراق دليل من أدلة كثيرة على الهيمنة الأمريكية، إذ استطاعت أمريكا تنفيذ عدوانها بمحض إرادتها، وأن تجعل دولاً عديدة تشاركها في هذا العدوان بداية أو في استمراره حتى الآن.
على أن الدولة الأمريكية- بكل ما تملك من قوة وجبروت- غير قادرة على الوقوف موقفاً لا ترضى عنه دولة الصهاينة. فقد استعملت حق الفيتو في مجلس الأمن، حوالي أربعين مرة، ضد أي قرار يدين الكيان الصهيوني، أو ينتقده، لعدوانه على أمتنا ومقدساتها، وذلك في الفترة بين عام 1967م، 2006م ناهيك عن استخدامها له قبل تلك الفترة وبعدها. وعندما هب الشعب المصري للإطاحة بالعهد الذي ملَّ فساده وتفريطه بحق مصر ومكانتها تناقلت وسائل الإعلام أن الإدارة الأمريكية طلبت من الرئيس المصري أن يترك الحكم استجابة لرغبة شعبه. لكن مكالمة لم تدم أكثر من عشرين دقيقة من رئيس الوزراء الصهيوني، نتنياهو، للرئيس الأمريكي جعلت هذا الرئيس يغير موقف إدارته، ويقول: يجب على الرئيس مبارك أن يبقى حتى يقوم بالإصلاحات المطلوبة، وهذا يعني إلغاء المطالبة برحيله، بل وجوب بقائه وكثير من الناس سمع ما قاله أحد الزعماء الصهاينة عن الرئيس مبارك: (إنه كنز استراتيجي لإسرائيل)، أما الحفاوة التي لقيها مجرم الحرب الصهيوني نتنياهو في أمريكا إبان الهبة المصرية، التي يرجو المخلصون من أمتنا أن يكتمل تحقيق أهدافها، فقد شاهدهاكل متابع لوسائل الإعلام المختلفة، وكان من أبرز وجوه تلك الحفاوة- إن لم يكن أبرزها- ذلك الذي اتضح جليا في مجلس النواب الكونجرس، إذ لم يعهد أن احتفى هذا المجلس الممثل رسمياً للشعب الأمريكي بأي زعيم من خارج أمريكا - وربما من داخلها أيضا- كما احتفى المجرم نتنياهو، ومن المعروف أن هذا الزعيم الصهيوني شديد العداوة لأمتنا وبخاصة ما يتعلق بتهويد أرض فلسطين بما فيها القدس.
هكذا- إذن - يتضح أن العالم بيد أمريكا تملي عليه إرادتها، حيناً عبر مجلس الأمن الذي لها الكلمة الأولى والأخيرة فيه وحيناً آخر بدون ذلك المجلس ولكن مع قوة أمريكا الطاغية المهيمنة فإنها لا تخرج عن رغبة الكيان الصهيوني ومشيئته.