كلام العرب اليوم كله عامي ليس فيه من الفصيح إلا ما يُكتب أو يذاع رسمياً، وفي العصور السابقة لا شك أن كلام الناس اليومي كان أفضل من كلامنا اليوم وأقرب للغة القرآن، ولكن حتى في تلك العصور خاصة بعد الفتوحات واختلاط الشعوب الأخرى بالعرب فإن الناس لم يكونوا كلهم صحيحي اللسان، بل كان فيهم الكثير ممن يَلْحَن، واللحن هو الخطأ في النحو وقواعد اللغة، وبعض الناس كان متخصصاً في النحو وتعليمه فكانوا يدققون على غيرهم من العامة، ولهؤلاء النحويين طرائف كثيرة، فمما يروى أنه هاج بأبي علقمة النحوي دم فأتوه بحجام، فقال أبو علقمة: اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزاً، ولا تكرهن أبياً، ولا تردن أتياً. فقال الحجام: ابعث خلفي عمرو بن معد يكرب، وأما أنا فلا طاقة لي بالحرب.
وحصلت لأبي علقمة النحوي علة، فدخل عليه الطبيب يعوده. فقال: ما تجد؟ قال: أكلت من لحوم هذه الجوازل (فروخ الحمام)، فطسئت طسأة (تخمة)، فأصابني وجع ما بين الوابلة (رأس العضد) إلى دأية العنق (فقراتها)، فما زال يزيد وينمى حتى خالط الخلب (الظفر) والشراسف (الغضاريف)، فما ترى؟ قال: خذ خربقاً وسلفقاً وشبرقاً فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه. فقال: ما تقول؟ فقال: وصفت لي من الداء ما لا أعرف، فوصلت لك من الدواء ما لا تعرف. قال: ويحك فما أفهمتني. قال: لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه.
و لقي رجلٌ رجلاً من أهل الأدب وأراد أن يسأله عن أخيه وخاف أن يلحن فقال: أخاك أخوك أخيك ها هنا؟ فقال الرجل: لا لي لو ما هو حضر.
ووقف نحوي على بائع قوارير فقال بكم هاتان القنينتان اللتان فيهما نقطتان خضراوتان؟ فقال الزجاج: »مدهامتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان ».
خرج أعرابي مع أبي المكنون النَحْوي في حَلْقَته وهو يقول في دعاء الاستسقاء: اللهم ربّناَ وإلهَنَا ومولانا صلّ على محمد نبيّنا، اللهم ومَن أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوءَ به كإحاطة القلائد على تَرَائب الوَلَائد، ثم ارسِخْه على هَامَته كرُسُوخ السَجِّيل على هَام أصحاب الفِيل، اللهم اسْقنا غَيْثاً مُغيثاً مَريئاً مَريعاً مُجَلْجلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً سَحًّا سفُوحاً طَبَقاً غدقاً مُثْعَنجِراً. فقال الأعرابيّ: يا خليفةَ نوح هذا الطوفان وربّ الكعبة، فدَعْني آوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني من الماء.
كان غلام يُقعَر في كلامه، فأتى أبا الأسود الدُّؤلي يلتمس ما عنده. فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحُمى فَطَبَخَتْه طَبْخاً وفَضَخَتْه فَضْخاً وفنخته فَنْخاً فتركته فَرْخا. قال أبو الأسود: فما فعلت امرأته التي كانت تُجارُه وتُشَاره وتُزارُه وتهارُّه؟ قال: طلقها فتزوٌجت غيره فرَضِيت وحَظِيَت وبَظِيَت. قال أبو الأسود: قد عرفنا حَظِيت فما بظيت؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك. قال أبو الأسود: يا ابن أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستُره كما تستر الهرة برازها.
قيل لنحوي: كيف تقولُ: ضرب عبد الله زيد؟ فقال: كما قُلتَ. قيل: لِمَ؟ قال: لشرٍ أحسبه وقع بينهما.
قصد رجل الحجاج بن يوسف فأنشده :
أبا هشام ببابك... قد شم ريح كبابك
فقال: ويحك لم نصبت أبا هشام؟ فقال: الكنية كنيتي إن شئت رفعتها وإن شئت نصبتها.
ووقف نحوي على صاحب باذِنْجان، فقال له: كيف تبيعُ؟ قال: عِشرين بدانق (الدانق سُدس الدرهم). قال: ما عليك أن تقولَ: عشرون بدانق؟ فظن البائع أنَّه يسْتزيدُه فقالَ: ثلاثين بدانق. فقال: وما عليكَ أن تقولَ ثَلاثون؟ فما زالاَ على ذلك إلى أن بلَغَ تِسْعين. فقال: وما عليْكَ أنْ تقُولَ تسَعون؟ فقال: أراكَ تَدورُ على المائتون، وهذا ما لا يكون.