الأسئلة التي تقتات من الذهن؛ مهنتها القضم، ومنهجها المضغ. قد تستفيد مما قضمت، وربما تلفظ ما مضغت؛ لأنها لم تصل إلى نتيجة نهائية، إجابة مرضية، أو خلاصة مقنعة.
سألتني صديقة: ما هي المخاوف؟ ولماذا نخاف؟ ثم واصلت قائلة: هناك خوف للصمت، خوف للتعبير عن الذات، خوف المستقبل، خوف العلم بالماضي، فكيف نفرّق بين معنى الخوف ومعنى القلق؟
وبالرجوع إلى النظرة العلمية حيال الخوف نجد بعض العلماء يرى أن المخاوف كلها تندرج تحت نوعين من الخوف: الخوف من الفشل، والخوف من الرفض.
وقد عدوا المخاوف البسيطة، التي أكثر ما يعاني منها الناس، أكثر من ثلاثمائة نوع من المخاوف. أما عن التعريف العام له: فقد أجمعوا تقريباً على أن الخوف: هو رد الفعل الأساسي الذي يجعل الفرد يتعامل مع الخطر. وأن الشعور بالخوف: هو الذي يجعل الجسم مستعدًا للتصرف إما عن طريق الفرار من الموقف، أو حماية نفسه باستخدام القوة الجسدية. وعندما يكون رد فعل الخوف أكبر مما يتحمّله الموقف أو مما يتحمّله الإنسان يصبح مشكلة له.
أما عن القلق، فيعتبر القلق النفسي مرضاً مرتبطاً بشكل كبير بالخوف الذي يشعر به الفرد ويبدأ في التعامل مع الموقف الذي لا يتطلب أي خوف أو قلق على أنه موقف مخيف بالنسبة له.
وعند التشخيص الإكلينيكي نجد الخوف مرضاً وله أعراض تتشابه وأعراض مشاكل القلب أو الغدة الدرقية، وبالتالي قبل بداية العلاج يخضع المريض لفحوصات طبيّة للتأكد من عدم إصابته بأحد هذه الأمراض.
وبالنسبة لعلاج الخوف: فهو إما علاج بالعقاقير، أو علاج نفسي، وربما مركب يجمع بين العلاج النفسي والعلاج بالعقاقير.
هذا إذا تجاوز الخوف حالته الطبيعية، الحالة التي لا نستطيع تغييبها أو نفي حاجتنا الضرورية له، أعني الخوف: ذلك الشعور الذي يمنحنا طاقة هائلة من خلال إفراز الجسم لهرمون adrenaline، وبالتالي نستطيع الفصل بين الخوف الطبيعي والخوف المرضي، بين الخوف الذي يمنحنا فسحة لاتقاء الأشياء ومخاطرها، والآخر الذي يسقطنا في بئر الأشياء ومخاطرها؛ سقوطنا في بئر مرض الخوف وأزماته. فنحن قد نخاف أشياء لا وجود لها في الحياة أو الواقع، بل هي مجرد أفكار خلاَّقة في عقولنا، نحن نخلقها وبيدنا إزهاقها أو محاربتها في آن بواسطة عقلنا الباطن أخذاً بالرؤية الفلسفية لعلاج الخوف (افعل الشيء الذي تخشاه وبذلك يصبح موت الخوف مؤكداً). مثال: من يخاف الماء ويخاف العوم أو السباحة ويتوهم الغرق وأنه هالك لا محالة، فليبدأ بالجلوس لمدة خمس أو عشر دقائق ويتخيّل أنه بالفعل يسبح مستحضراً في ذهنه الماء ويحرك ذراعيه ورجليه متخيلاً السباحة تخيلاً حقيقياً، ويكرر ذلك عدة مرات في اليوم بأن يسبح عقلياً، بعدها يبدأ الدخول في حوض السباحة، ولا بأس إذا طلب مساعدة أحدهم ممن يجيد السباحة ويتقنها حتى يشعر بالأمان ويكسب ثقته بنفسه متحرراً من الخوف وبأنه لا وجود لما يخافه سوى في عقله الباطن، وبواسطة عقله الباطن أيضاً سيتحقق تصحيح الخطأ وكشط المخاوف.
علماً بأن التعامل مع الخوف ليس بالسهولة التي قد نظنها بدليل الاشتغال المكثّف من قبل علماء النفس على هذا العدو الشرس، وبحثهم إذا كان بالإمكان التعايش معه دون قلق أو رهبة، فهو البلاء الذي توعّد به الله العصاة من خلقه حينما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (156) سورة البقرة. إذاً فإن الخوف حالة نفسية، سلوكية، مرضية، أو طبيعية يدركها الذي يشعر به وبالتالي يحتاج التعامل معه، مع تلك الحالة، مع الخوف التعامل المناسب، وقد يضطره الوضع للرجوع إلى المختصين ليقفوا معه إذا تطورت الحالة لديه وأضحت مرضاً يشكل خطورة تجعله حول محور الأسئلة والقلق يدور دوران صديقتي تلك وربما دوراننا جميعاً.
bela.tardd@gmail.comp.o.Box:10919-Dammam31443