|
الجزيرة - ماجد إبراهيم
في الجزء الثاني والأخير من حواره مع «الجزيرة» أكد وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية أحمد الحميدان أن التعامل مع السعودة حالياً يتم بالمنطق التجاري وليس العاطفي، مشيراً إلى أن الإحصاء الذي أجرته الوزارة لنسب السعودة المتحققة في المنشآت التي تقع تحت التصنيف المتوسط مثلاً.. من 50 إلى 499 عاملاً، رصد تجانساً كبيراً في السعودة، كما أوضح الحميدان أن 75% من القطاع التجاري يدَّعي صعوبة توظيف السعوديين، وأشار إلى أنه متى تم القضاء على البطالة بين السعوديين فإنه لن يتم النظر إلى عدد التأشيرات التي ستصدرها الوزارة، من جهة أخرى أكد الحميدان أن إيقاف الاستقدام من إندونيسيا والفلبين مؤقت، ويتوقع الانتهاء منه قريباً المزيد من التفاصيل في نص الحوار:
بالعودة إلى حديثنا في الجزء الأول من الحوار عن السعودة في السنوات السابقة، ورؤيتك عن التعامل العاطفي معها في السابق، هل تشعر الآن أن الوزارة باتت تتعامل مع هذه القضية بالمنطق التجاري وبواقعية أكبر؟
- بالتأكيد..
هل كان التعامل العاطفي في السابق خطأً؟
- ليس خطأً.. في السابق كان هناك نسب سعودة تحققت، لكن كانت حجة القطاع الخاص، أن النسب المطلوبة ليست منطقية ومبالغ فيها، واتُهمنا بعدم معرفة طبيعة العمل وما إلى ذلك، لذا ذهبنا في وزارة العمل إلى السوق لنرى ماذا تم بشأن السعودة خلال خمسة أعوام، لإعادة تقييم النسب، إذا كان قطاع معين مثلاً استطاع تحقيق نسبة 18 % من السعودة، والنسبة المطلوبة سابقاً 30 %، سيتم إلغاؤها والاكتفاء بما استطاع القطاع تحقيقه، لكن، عندما تبدأ المحاولات من بعض الشركات في تخفيض النسبة التي حققتها منشآت كثيرة في القطاع، عندها لا بد أن نتدخل من خلال برنامج نطاقات، وتكون مثل هذه المنشآت في القطاعين الأحمر والأصفر، وتطبق عليها العقوبات، وفي حال تقدمت إلى النطاقات الأخرى ستحصل على المكافآت بالتأكيد، لذلك كان من أهم الأشياء التي نزعم وجودها في نطاقات، أن هناك تفرقة بين من يستجيب ومن لا يستجيب.
فيما يخص نطاقات، من المخاوف التي طُرحت تضرر الشركات ذات الكيان الصغير والمتوسط من مسألة فرض السعودة عليها بنسب تعتبر عالية قياساً بدخلها، خصوصاً إذا ما فُرض الحد الأدنى لرواتب السعوديين في القطاع الخاص، ما ردكم؟
- ردنا من خلال نقطتين، أولاً يوجد في نطاقات تقسيم على أساس الحجم، فلا نقارن شركة لديها 500 موظف بأخرى لديها 50، وتم تقسيم النشاطات التجارية إلى 41 نشاطاً بدلاً من 13 نشاطاً في السابق، ثم تم تقسيم النشاطات إلى أحجام صغير ومتوسط وكبير وكبير جداً، كل حجم يختلف عن الآخر في نسبة الدخل حتى في نفس النشاط، وعلى هذا الأساس تتم مقارنة المنشآت ببعضها البعض من خلال الحجم، كما أن المنشأة التي توظف أقل من 10 عمال لا ينطبق عليها البرنامج.
هذه النقطة تحديداً من المآخذ على «نطاقات» في عدد العمالة الذي اعتمده في تصنيف المنشآت من حيث الحجم، حيث يفرق عامل واحد فقط بين أحجامها، أيضاً، العدد الكبير لتحديد حجم كل منشأة، فهل يعقل أن تعامل منشأة تشغل خمسين عاملاً معاملة منشأة أخرى تشغل 400 عامل؟
- صحيح، هذا سؤال مهم جداً، نحن عندما أتينا في التحليل الإحصائي لتحديد نسب السعودة بناءً على حجم المنشأة من حيث عدد العمالة، بدأنا بتقسيم المنشآت إلى ستة أحجام، ومن ثم اعتمدنا أربعة أحجام، لسبب مهم جداً، هو أنه عندما قمنا بالإحصاء لنسب السعودة المتحققة في المنشآت التي تقع تحت تصنيف المتوسط مثلاً.. من 50 إلى 499 عاملاً، وجدنا أنها متجانسة بشكل كبير، ولا تمثل الفروقات بينها في تحقيق نسبة السعودة المطلوبة إحصائياً غير ذات أهمية، ولم تفرز الدراسة الإحصائية سبباً قوياً لتقسيمهم بشكل أكبر، هذا أولاً، ثانياً.. نحن أضفنا نقطة مهمة لمنع التحايل في مثل هذا المسألة، حيث توقعنا أن يقوم مثلاً شخص ما لديه شركة بها 50 عاملاً، بإنشاء خمس شركات بأسماء مختلفة وتوزيع عمالته عليها، ليتعامل على أساس أنها منشأة صغيرة جداً خارج النظام، انتبهنا لهذه النقطة وأضفنا تصنيف الكيانات المجمّعة لنفرض عليهم نسبة السعودة، لكننا لا نؤذي أحداً، نحن نقول للتاجر الذي لديه أكثر من عشرة عمّال أجانب، 11 أو 12 عاملاً مثلاً.. ويقول إنه تاجر صغير لا يستطيع الالتزام بالسعودة، نقول له ببساطة، سجِّل نفسك في التأمينات الاجتماعية كموظف في تجارتك، وعندها تنتهي مشكلتك تماماً، لكن أن تأتي لتقول لي إنك موظف في جهة ما، ومسجَّل في التأمينات تحت مظلة هذه الجهة، وتقوم بمنح عملك الخاص للأجنبي ليستفيد منه، نقول لك لا، لا بُدَّ أن توظف سعودياً، ما يحصل في السوق هو أن تجد موظفين كباراً.. رواتبهم تتجاوز 30 أو 35 ألف ريال ولديه مثلاً ستة أنشطة تجارية ليس فيها أي سعودي!، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فمن يدّعي أن لديه عشرين عاملاً ويقول أن «نطاقات» سيقضي عليه وهو لا يريد تسجيل نفسه وموظف سعودي آخر في التأمينات كموظفين سعوديين في مؤسسته، هذا لا بد عليه أن يراجع نفسه بصراحة.
عند التطرق إلى النسب المطلوبة للسعودة، اشتكى المقاولون من عدم تجزئة قطاع المقاولات في «نطاقات» وتوقعوا تضرر 60 % من منشآت القطاع، مؤكدين أن 5 % فقط من المنشآت تقع في النطاق الأخضر، خصوصاً أن مهناً مثل التشييد والبناء لا يُقبل عليها السعوديون، هل ستراجعون هذه المشكلة في البرنامج؟
- إجابتي هنا على جزأين، أولاً.. ما يتعلق بصعوبة التوطين، هذا الكلام نسمعه من جميع القطاعات، الكل يدّعي أنه من الصعوبة الحصول على موظفين سعوديين، ثلاثة أرباع القطاع التجاري يدّعي صعوبة توظيف السعوديين، ثانياً.. التشييد والبناء تم تفريقه عن قطاع التشغيل والصيانة، ولكن النسبة المطلوبة مثلما أخبرتك سابقاً لم نأت بها من عندنا، بل من واقع السوق، فإذا كان السوق يعطينا معلومات مغلوطة فهذه نتيجة معلوماتهم، نحن نقول إن النسبة المفروضة هي ما تقولون إنكم استطعتم تحقيقه، هذه أقوى نقطة في نطاقات، إننا لم نأت بشيء من عندنا مثلما قلت، الآن تلاحظ أن أغلب النسب المطلوبة للدخول في النطاق الأخضر نقصت، ما الذي أفزع السوق إذاً؟!، نحن نعتقد مثلما ذكرت من قبل أن السوق يقوم بإصلاح نفسه تدريجياً، بمعنى.. السعودة مثلاً في قطاع المقاولات في ظل بيئة العمل الحالية قد تبدو صعبة، لكن تحسين ظروف العمل سيغير من الوضع بالتأكيد خصوصاً عند ارتفاع تكلفة العامل.
لكن ارتفاع تكلفة العامل قد يلقي بظلاله على السوق بشكل سلبي، من ناحية ارتفاع الأسعار وكذلك على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أليس كذلك؟
- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستكون المسألة نسبية عليها في مسألة الارتفاع، والارتفاع على شركة لديها 500 موظف سيكون كبيراً بالتأكيد، لكن لا بد أن تلاحظ مثلاً أن المنشآت الكبيرة في السوق هي التي تحقق النسبة الأكبر في السعودة.
لأن لديها القدرة الأكبر من الناحية المالية في هذه المسألة!
- بالضبط، هي لديها القدرة الأكبر، إذاً نفس المبدأ يطبق على المنشآت الأصغر ولكن بالنسبة التي تتناسب مع حجم عمالتها، يعني التكلفة التي ستترتب على المنشأة الصغيرة في قضية السعودة تتناسب مع حجم دخلها، إذا دفعت المنشأة الكبيرة 500 ألف ريال للموظفين السعوديين، فقد يكون المطلوب من المنشأة الصغيرة مثلاً 5 آلاف ريال فقط.
أيضاً في مسألة النسب المطلوبة للسعودة، اشتكت بعض القطاعات من عدم عدالة هذه النسب، مثلاً قطاع التعليم والتدريب يقول أصحابه إن عملهم يعتمد على عمالة لا تتوفر في السوق السعودي، ما يضطرهم إلى الاستقدام بنسب أعلى، وبرواتب عالية أيضاً وليست عمالة رخيصة، ما ردكم على مثل هذه الملاحظات؟!
- صحيح، أولاً نحن قسَّمنا النشاطات إلى 41 نشاطاً مثلما أعلنّا، وما زلنا نقول إنه ليس لدينا أي مانع في أن تصبح النشاطات 60 نشاطا أو حتى 80، لذا أنت يا صاحب العمل، يا من تدعي أنك وُضعت في نشاط مختلف عن الذي تعمل فيه، لا نريد منك أن تأتي بشكل شخصي لإقناعنا بتغيير نشاطك ونسبتك، نحن نعمل بمؤسساتية الآن، لذا نطالب من يناقشنا في هذا الأمر أن يقدم لنا دراسة مفصلة ونحن مرنون جداً في التعامل معها، عندما يثبت القطاع الخاص أن هذا النشاط مختلف أهلاً به، الجانب الآخر.. التعليم مثلاً.. الجامعات السعودية بها أعداد كبيرة من المدرسين والمدربين السعوديين، نحن لا نقول إنهم ربما يحتاجون نسبة أقل من النسب الأخرى على اعتبار عدم توفر المؤهلين من السعوديين، لكن إذا كان هذا ما يقولونه فلا بد من إثباته، وهنا نحن نتساءل..هل المسألة عدم توفر السعوديين فعلاً، أم عدم إقبال السعوديين على هذه الوظائف؟!، هذا تساؤل مهم جداً، السعودي مثلاً يقول: لماذا أقبل براتب ثلاثة آلاف في القطاع الخاص، إذا كان يمكنني العمل بنفس الراتب في القطاع الحكومي؟!، القطاع الخاص يقول أنا أعطيه ثلاثة آلاف مثلما تعطيه الحكومة لكنه لا يقبل، وهذه ممارسة مغلوطة لكنها مستمرة، صحيح أنا أعطيه راتب ثلاثة آلاف ريال في الحكومة لكنني أشغِّله 140 ساعة بينما القطاع الخاص يشغِّله 192 ساعة، أنا أعطيه في الحكومة حوالي 140 يوماً كإجازات، القطاع الخاص يعطيه حوالي 82 يوماً فقط، هذه المفارقات توضح الصورة بشكل كبير، لقد تم حسابها بشكل دقيق، عندما يتساوى أجر الموظف في القطاع الخاص مع أجر نظيره في القطاع الحكومي فإن أجر الساعة لموظف القطاع الخاص يكون أقل بكثير بناءً على المعطيات السابقة، وبالتالي.. هل المشكلة عدم وجود السعودي المؤهل أم عدم إقباله؟!، من الطبيعي أن يفضل في هذه الحالة القطاع الحكومي إذا كان القطاع الخاص لن يقدم له الأجر الجيد، يا أخي.. لنرَ السعوديين في الشركات الكبيرة.. سابك، أرامكو، البنوك أيضاً، هذه منشآت في القطاع الخاص يبحث عنها السعوديون بالرغم من طول أوقات العمل فيها، لكن لأنها توفر بيئة عمل جيدة ورواتب جيدة أيضاً فهي لا تجد صعوبة في إيجاد السعودي المؤهل، وكختام لهذا المحور، أقول إنه سيتم الآن من خلال موقع نطاقات استقبال طلبات تغيير النشاط لمن يقول أن منشأته صُنِّفت في نشاط آخر، وفق آلية محددة، وهناك لجنة ستدرس هذه الطلبات وترع التوصيات بشأنها.
ماذا بشأن الملاحظات التي رفعها إليكم المقاولون بخصوص البرنامج؟
- مثلما أخبرتك لدينا الآن آلية منهجية في تقبل مثل هذه الملاحظات، المسألة ليست أن تأتي لتقنع أحمد الحميدان مثلاً وتحصل منه على موافقة على تخفيض النسبة المطلوبة منك، هناك لجنة تدرس مثل هذه القضايا وترفع توصياتها إلى معالي الوزير الذي يقرر بشأنها.
هناك من طالب بأن يركز التوظيف مستقبلاً على المهن المهمة بالمنشآت وليس الكم بل النوع، هل نطاقات يركز على نسب نوعية للمهن؟
- الآن لا، لكنه سيأتي إن شاء الله، لو لاحظت خلال الأيام الماضية فتحنا تصحيح بيانات المهن، ما عدا المهن التي نص عليها قرار مجلس الوزراء رقم 50 والتي تم قصرها على السعوديين فقط، لأننا نعتقد أن السوق خلال الفترة الماضية كان يتم إدخال أشخاص فيه على مسميات لا يعملون فيها للتعامل مع القرار، وبالتالي كانت النتيجة سلبية في الواقع، أنت لديك راعي ماشية وتشغِّله كمحاسب، لا بأس..غيّر تسميته إلى محاسب، نريد أن نفهم من في السوق، الهدف من هذا كله، المنطلق الذي انطلقت منه في سؤالك، نريد أن تكون لدينا قاعدة بيانات في نطاقات نتحرك وفقها فيما يتعلق بالتدريب، والتعليم، وفيما يتعلق بتحديد النسب لاحقاً وفق المهنة، لكننا من خلال التجربة السابقة لا نريد الدخول في أمر يسهل التحايل عليه، وبالتالي نخلق لأنفسنا مشكلة ويصبح كل طرف يتحايل على الآخر!، جربنا هذا في السابق، وعملنا على أساس المهنة، ووجدنا من يعيِّن مثلاً جميع المديرين سعوديين، بينما في الواقع من يدير العمل هم غير السعوديين في المنشأة، هذه مشكلة، أنت تريد أن تتعامل مع السوق بدرجة عالية من الانفتاح والحقيقة لتحقيق الهدف الأساس، لكن المشكلة أنك تغرق في التفاصيل بما لا يحقق الهدف، ونضيع بين العقاب وعدم العقاب، وإثبات المخالفة وعدم إثباتها، والنتيجة صفر في نهاية الأمر.
كان من أبرز أهداف السعودة في السنوات الماضية تقليص نسبة العمالة الأجنبية في البلد، لكن برنامج نطاقات تجاهل هذه المسألة، بمنحه فرصة انتقال العمالة من منشآت النطاقين الأحمر والأصفر إلى النطاق الأخضر والممتاز، بالإضافة إلى منح التأشيرات لمنشآت النطاقين الأخضر والممتاز، ألا يناقض «نطاقات»هذا الهدف الذي سعت له الوزارة منذ سنوات؟
- أولاً.. الادعاء بأن السعودة خفضت نسبة العمالة الأجنبية خلال السنوات الماضية غير صحيح، لكن فعلياً نحن لا نرى ارتباطاً كبيراً بين السعودة وبين إصدار التأشيرات، ميزانية المملكة من أربعة أعوام حتى الآن تضاعفت أربع مرات، هذا يعني مشاريع إنشائية أكثر، وعمالة أكبر حجماً في الأعمال التي كنا نتحدث عنها قبل قليل أن السعوديين لا يقبلون عليها، لو تتذكر أنَّه في وقت من الأوقات كانت الدولة تعرض مشاريعها ولا يأتي المقاولون، لأنه ليس هناك عمالة، نحن لسنا قلقين من عدد العمالة إذا استطعنا حل مشكلة البطالة، لو افترضنا أنه فجأة أصبحت نسبة البطالة لدينا 1 % هل هذا يعني أننا سنتوقف عن الاستقدام؟، بالطبع لا.. لأن الاقتصاد ينمو، ونمو الاقتصاد يعني توليد فرص جديدة، فعندما أقضي على مشكلة البطالة، فليس لدي مشكلة في عدد التأشيرات بشرط أن لا تكون على حساب المواطن السعودي، أما فيما يتعلق بانتقال العمالة بين منشآت النطاقات، فهذا يقلص بالنسبة لنا من مسألة الاستقدام، الشركة التي تبحث عن عمالة خبيرة وتقع في النطاقات الآمنة ستتجه للاستفادة من عمالة الشركات التي تقع في النطاقين الأحمر والأصفر، وهذا مكافأة لها على التزامها بالنظام وعقوبة للأخرى على عدم التزامها.