«لكل زمان مضى آية، وآية هذا الزمان الصحف»هذا ما قاله «حافظ إبراهيم» في عصره، إيماناً بدور «الصحف» في سرعة نقل الأخبار، ودقتها في متابعة الأحداث، وأعتقد أن الشاعر»لو عاش«بيننا هذه الأيام لرأى «الآيات» الناقلة للأخبار تكثر وتتكاثر، فقد عرفت البشرية متابعة الحدث في لحظة وقوعه، بفضل «البث المباشر» الذي تطور بشكل لافت في السنوات الأخيرة حتى بات المشاهد يتابع ويشارك في فصول المعارك والحروب و يقيّم أي الأطراف تتفوق، ويستطيع متابعة سقوط «المدن»وطلقات الرصاص وهي تخترق أجساد الضحايا!! والاستمتاع بمشاهدة أهداف كرة القدم لحظة «ركلها«. إن «الشاشة» الناقلة للخبر والعاكسة للحقيقة تطورت بشكل مذهل، جعل المتتبع لخطوات «صناعة الإعلام» يحس بالفرق منذ بداية «الإرسال التلفزيوني« وحتى اليوم، ففي عام 1920م بدأت محاولات إنتاج التلفزيون، وفي عام 1927م بدأ الإرسال التجريبي، أما في عام 1951م فقد بدأ إرسال التلفزيون الملون، وعام 1962م شهد إطلاق أمريكا للقمر الصناعي (تليستار) ومن ثم بدأ إنتاج مسجلات الفيديو عام 1968م، ثم اخترعت عام 1975م شاشة التلفزيون المسطحة، و كان عام 1979م بداية عرض التلفزيون ثلاثي الأبعاد،ثم أعقب ذلك العام 1989م البث التلفزيوني المباشر للقنوات الفضائية حيث تتنافس منذ ذلك الحين هذه «الشاشات» على جعل معظم برامجها مباشرة فرغم الكلفة العالية للنقل المباشر من موقع الحدث إلا أن أهمية الموضوع تجبر القنوات على متابعة الحدث لحظة بلحظة!! بل إن»تلفزيون الواقع» في بداية العام 2000 م أخذ هو الآخر جانباً مهماً من التطور وإضافة الأهمية لمن يتم متابعة تحركاتهم «ثانية بثانية» بشكل مباشر والتصويت على تميزهم وتفوقهم !!
وفي هذا العام 2011 م خرجت «شاشات» يطلق عليها «داتا شو« وهي «تقليعة نسائية جديدة» في مجتـمعنـا بطلتها «المرأة النفاس» التي وضعت «مولوداً جديداً» حيث تقصدها النساء للزيارة في «الأربعين» للتهنئة والمباركة لها في منزل أهلها فيتم استقبالهن في «قاعة الضيوف» ويتم تشغيل «شاشة الداتا شو» وعلى جانبها الأيمن كلمة «مباشر»لمتابعة نقل حي من غرفة الأم ومولودها التي لن تنزل للضيوف «كالمعتاد سابقاً» بل يستخدم المايك للتهنئة وطول الوقت تحتسي النساء القهوة والشاي، أما «النفاس« فتلتهم أطنان «الرشاد والكمون والمره..الخ« على مرأى منهن، و هن فقط يتابعن ويتأملن الأم وجنينها!! قد يكون ذلك برستيجاً ومرضاً نقلته مستشفيات الـ»5نجوم» للولادة والتي تغير لون وفرش الغرفة الخاصة بالأم أثناء الولادة بالألوان والأثاث المطلوب لقضاء يومين قبل المغادرة، وقد يكون خوفاً على الصغير وأمه من الأمراض لكن المؤكد أنه جنون النقل المباشر لا أحد يعلم حتى الساعة بالحقيقة!! ولعل الأمر يتضح متى ما تم وضع عبارة «إعادة» للضيوف الأقل أهمية ورحم الله «حافظ إبراهيم» فقد فاته من آيات العصر الشيء الكثير.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net