من منا لا يخاف على أطفاله من أن يعترض لهم وحش الطريق؟ قد يتفاوت مستوى الخوف من مجتمع لآخر، كما تختلف نسبة المجاهرة أو الاعتراف بهذه القضية أيضا من مجتمع لآخر. أعني بهذه المقدمة قضية التحرش الجنسي بالأطفال، هذه الجملة التي تبدو مؤلمة في ظاهرها وأكثر إيلاما في باطنها، لذا فإن الحديث عنها في مجتمعنا يبدو أنه لازال مغلفاً بشيء من عدم التصديق.وأعود معكم إلى عام 2000م كان هذا الموضوع هو أحد فروع البحث العلمي الذي أجريته في مشروعي البحثي للتخرج، أتذكر وقتها أني لم أجد سوى بحث علمي واحد تم إجراؤه في السعودية، وبقية المصادر اعتمدت عليها من أطباء ومختصين ونشرات داخلية في المستشفيات.ناقشنا القضية فوجدنا أن مجرد نقاشها يعتبر أمرا صعبا خصوصاً أن كثيراً من النتائج أشارت إلى أن الطفل يتعرض للتحرش الجنسي من قِبل ما يُسمى بـ »سفاح القربى» أي أحد أقاربه ولن أعرض لكم تلك القصص الواقعية التي دونتها في البحث، أو حتى تلك التي رأيتها عندما كنت أعمل في المجال الصحافي الميداني لأن رؤوسكم ستشيب.ثمة ما تجدر الإشارة إليه عند مناقشة هذا الموضوع وهو التركيبة المجتمعية والخليط العرقي وكثرة الجنسيات ودونية مهنهم وأعمالهم، وهي أحد أسباب تعرض الطفل للتحرش أو الانتهاك مع الإهمال الأسري.وإذا آمنا بأن الشخص الذي يُقدم على هذا الفعل مع «طفل» أنه شخص مريض، ويحتاج إلى علاج، وبما أن هذه القضايا بازدياد فإن مصحات متخصصة لعلاج هؤلاء الشاذين ذهنيا وجنسياً باتت أمرا ضرورياً، على أن تخرج بوضوح ودون مواربة وباسم صريح، هو: «المصحة النفسية لعلاج مرضى التحرش الجنسي»، وهذا المرض الذي يحتاج لعلاج هو كذلك للمتحرشين بالنساء، وإن كان ميل الرجل إلى المرأة هو أمر طبيعي فإن تحرشه المبالغ به في تصوري يدخل ضمن الحالة المرضية.هناك أيضا حلول أخرى ورادعة التي جاءت أمس الأول عبر الصحف، عن موافقة مجلس النواب الروسي على مشروع (الإخصاء الكيميائي) كعقاب للمتحرشين جنسيا بالأطفال، وهو عبارة عن تناول قسري لأدوية ومضادات تمنع إنتاج الهرمونات الذكورية.والبرلمان الروسي ليس الأول الذي يقر هذا القانون فقبله فرنسا وإيطاليا وعدد من الدول الأوروبية التي أقرت هذه القوانين من تحت قبة برلماناتها.في تصوري أن هذه العقوبة منطقية وعادلة لمن تسول له نفسه أن يُدمر فلذات أكبادنا وجيل المستقبل، لأن الطفل الذي يتعرض لهذا الإجرام سيكون غداً مجرم جديد يؤذيجتمعه وينتهك أطفالا آخرين كما حصل معه، إذ إن أغلب المختلين نفسيا الذين يُقدمون على هذه الجريمة هم قد تعرضوا لها في طفولتهم، لأن الإفاقة الجنسية المبكرة تخلق شخصاً لا يستطيع أن يتحكم بغريزته.وبعد الدور الأسري، هناك دور هام للمدرسة التي من الصعب عليها أن تفتح هذا الموضوع مع الأطفال، وأعتقد أنه ومن مرحلة رياض الأطفال على المدرسة أن تتبنى دوراً منهجياً توعوياً عن طرق وقاية الطفل لنفسه ولشرفه.وهذا ما يسمى بالتربية الجنسية التي لازلنا نخاف الحديث عنها! أعود إلى القانون الروسي، وأتطلع أن يناقش مجلس الشورى هذه العقوبة التي تقف على مرتكزين، نفسي وبدني. وهي برأيي حل إلى جانب المقترحات السابقة، وبودي لو أن مستشارات الشورى النساء يتبنيّن هذه القضية، على الأقل سيُحسب لهن إنجازاً ولو يتيماً!
www.salmogren.net