Thursday  14/07/2011/2011 Issue 14168

الخميس 13 شعبان 1432  العدد  14168

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

الأندية الأدبية فاشلة، المثقفون فاشلون، الحركة الثقافية فاشلة.. هذه الأحكام الجاهزة تصدر بكثرة تزامناً مع أي تغيير في الساحة الثقافية؛ فقد ترددت مع تشكيل اللجان المعينة في إدارات مجالس الأندية، ومع خلافات الأعضاء في تلك اللجان، وحين استقالة بعضهم من إداراتها، ثم في الوقت الحالي مع الصخب الدائر حول الانتخابات وأحقية انضمام خلق الله أجمعين إلى مجالس الأندية العمومية.

فكلما جد جديد حضر معيار التقييم للوضع الماضي الذي ساقنا للوضع الحالي، ثم يصدر الحكم الجائر في لحظة انفعال ودون هوادة: هو الفشل!

وحين نتأمل حيثيات هذا الحكم نجدها متنوعة، لا يكاد يتفق عليها هواة التفشيل؛ فتارة هي الشللية، وأخرى هي النخبوية، وحيناً هي البيروقراطية العقيمة، وحيناً آخر هي الآلية والعقلية القديمة. وتتوالى الاتهامات: المثقفون لا يحسنون إدارة الأندية وبحاجة إلى كادر إداري، والمثقفون ينحازون إلى تيار بعينه ولا يقدمون الثقافة على تنوعها. ثم إن الأندية قد فشلت في مواكبة إبداعات الأدباء التي تجاوزت وعي المؤسسة الثقافية، كما أنها لا تعكس مستويات الحراك الثقافي الحقيقي وما يجري من مستجدات ثقافية طالت شكل الثقافة العالمية.

وإلى جانب هذا النقص الشنيع من عدم مجاراة التغيرات الطارئة على الثقافة الحقيقية محلياً وعالمياً تُرمى الأندية الأدبية بوصمة عدم استيعابها تغيرات المجتمع وعزلتها عن قضايا الناس وعجزها عن خلق التغيير المجتمعي المنشود. ثم يأتي جيل الشباب حاملاً في جعبته الكثير من الاتهامات الجمعية؛ فالفعاليات ضعيفة، والبرامج تقليدية جافة، والملتقيات عادية ومكرورة، والجلسات الأسبوعية مملة، والنادي لا يقوم بدور حقيقي، حتى على مستوى التواصل بين أهل الثقافة؛ فالشباب يريدون التجديد والتطوير من أجل إحياء النادي الميت الذي يجب عليه أن يكون مسايراً لتطلعات الشباب والجيل الجديد من أبناء المعرفة والتقنية الذين يرغبون في أن يكون ناديهم منبراً لهم. (البلاد: في الذكرى السادسة لوفاة أدبي جدة، معتز قطينة،08-07-2011).

ومن داخل المجتمع الثقافي تُقذف الأندية الأدبية بتهم تعزز فشلها، وهي تهم لها صفة التعميم والعمومية التي تستعصي على التصنيف؛ فالواجب عليها أن تكون أكثر مرونة واحتواء، أو عليها أن تعمل على إشاعة جو ثقافي مفعم بالجدية والحيوية. ويرى البعض أنها قد فشلت في تقديم أدب مؤثر (يوسف المحيميد: الجزيرة الخميس 28 رجب 1432)، كما يرى البعض الآخر أنها لم تنجح في صقل المواهب الشابة وتقديمها للساحة الأدبية، أو أنها لم تعين تلك المواهب بدورات تدريبية تخلق منهم مبدعين قادمين.

ويتقدم التيار الديني بثلة من الاتهامات المُفشِّلة التي تضع الأندية الأدبية والمثقفين على كفة الميزان الذي يعتلي هو كفته الأخرى فترجح به عالياً وتسقط الكفة الأخرى في الحضيض. يقول عوض القرني: «إن المثقفين السعوديين فشلوا في كل شيء.. وهم يعلمون أن ليس لهم أي حضور في المشهد وغير مؤثرين فيه..». ويردد جميل اللويحق التهمة نفسها قائلاً: «ما الذي قدمته الأندية للثقافة في الفترة المنصرمة؟ هذه التشكيلة المؤسفة (المثقفون) مضت بنا في سقطات وخلل وأداء ضعيف.. ولم تنتج ما يُذكر.. الوضع الثقافي بائس ولا يستحق هذا الجدل.. والأندية محدودة الأثر وبرامجها غائبة عن الواقع والحياة» (قناة دليل 24 يونيو 2011). ويعلق محمد النجيمي على إقصاء اللائحة للمتدينين قائلاً: «إن المثقف الضعيف جداً متمسك بآخر معقل له لأنه مهزوم.. فليس له قيمة أو تأثير في الساحة». (قناة روتانا خليجية، لقاء الجمعة 7-8-32).

وهذا النوع من التفشيل القائم على معيار التأثير والإقبال الجماهيري لا يقتصر على التيار المحافظ، بل هو من أشهر مقولات المثقف المتحول إلى مفكر حُرّ الدكتور عبد الله الغذامي الذي امتدح المشروع الإسلامي قياساً بقدرته على حشد الجماهير والتأثير فيهم، وهو ما تردده الكاتبة سهام القحطاني في مقالاتها ومداخلاتها: «كل الضجة المفتعلة من المثقفين الليبراليين هي خوف من وصول المثقفين المتدينين إلى رئاسة الأندية؛ حتى لا ينكشف عجز وضعف المثقف الليبرالي وعدم امتلاكه أي مشروع تنويري.. وتأثير هذه الفئة ودورها في تشكيل العقلية الثقافية للمجتمع أكثر من الأدباء.. فالشيخ عائض القرني استطاع من خلال خطابه الثقافي أن يؤثر في تشكيل عقلية الشباب السعودي أكثر من الدكتور تركي الحمد والدكتور سعد البازعي».. (الثقافية: الخميس 28، رجب 1432 العدد 348).. و»التيار الإسلامي أكثر تأثيراً وفاعلية في المجتمع من المثقفين الليبراليين» (قناة دليل 24 يونيو 2011).

إذاً، يظهر لنا بوضوح أن فشل الأندية الأدبية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمطالب، أي أنها محكوم عليها بالفشل؛ لأنها لم تحقق هذا الأمر أو تلك الرغبة. لكل من المفشِّلين حلم ورغبة وهدف لم يجد أياً منها في النادي، والمسؤول عن الفشل هم الأشخاص القائمون على الأندية، أو هي المؤسسة الداعمة للأندية، أو هو التيار المحرك للأندية، أو هو النظام المسيّر للأندية. أينما حط الاعتراض التفشيلي فالحكم جاهز وصارم وقاضٍ بعبثية تامة على مشروع تراكمي امتد قرابة نصف القرن بالعقم والبؤس واللاجدوى.

lamiabaeshen@gmail.com
 

الأندية الأدبية وشبهة الفشل (1-2)
د. لمياء باعشن

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة