من نافلة القول؛ الاعتراف بفضل الله وكرمه على هذه البلاد، أن هيأ لها قادة مخلصين أوفياء، سخروا ما أكرمها الله به من نعم كثيرة أجلها نعمة الإسلام، ثم ما أفاض عليها من خيرات اقتصادية كبيرة؛ للوطن والمواطن، كانت سبباً رئيساً لما نشهده، لا سيما في هذا العصر الذهبي، عصر الملك الصالح، الوفي، العادل (عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود) أعزه الله بتوفيقه، من تطور وتقدم في شتى الميادين، نهضة تنموية، تعليمية وثقافية وإعلامية واجتماعية و(صحية!) واقتصادية وحضارية مشمولة؛ غير أن قطاع الصحة رغم ما توفر له من دعم ميزاني خرافي، ظل يراوح مكانه!، ولم يرق للمستوى الذي يتوق إليه المواطن، الذي يأنس دائمًا! بتوجيهات القيادة وحثها على رفع مستوى الأداء لهذا القطاع الخدمي المهم، ولكن مع الأسف واقع الحال يخالف ذلك، فتدني الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية خاصة، بات أمراً مشاهداً لا يحتاج لدليل، رغم الصرخات المدوية والنداءات المستغيثة المنادية بإنقاذ هذه الخدمات الضرورية من الضياع والإهمال وعدم الإكتراث بالمسؤولية والأمانة، وأزعم أن هذا القصور وهذه اللامبالاة ألقت بظلالها على أغلب الكليات والمعاهد الصحية التجارية، وهي التي بات همها جمع المادة على حساب المخرجات.
يرتفع سقف المخاوف من كارثة قد تترتب على تخرج أعداد كثيرة من الطلبة والطالبات من الكليات والمعاهد الصحية الأهلية التي انتشرت مؤخراً لضعف مدخلاتها ومخرجاتها، نسمع أن أعداداً كبيرة من خريجي المعاهد الصحية بخاصة، انتهى أغلبهم إلى قائمة البطالة التي تكرسها في نظري هذه المعاهد، هم يحتاجون لمن يقف معهم، لأنهم ضحية لضعف هذه المعاهد التي خرجتهم، وجعلتهم غير مهيأين للانخراط في مؤسسات حساسة وخطيرة، كالمستشفيات والمستوصفات الصحية، سواء كانت حكومية أو أهلية.
أغلب الكليات الصحية الأهلية، تحولت إلى تجارة واضحة يتسابق أصحابها في اصطياد أكبر عدد ممكن من الطلاب والطالبات، لا يهمها مستوى مخرجاتها، إيماناً منها، بعدم جدية الرقيب والمتابع، لا ألقي ذلك جزافاً، ولكني شاهد عيان، حيث كنت أستاذاً في إحدى الكليات الطبية الأهلية لسنوات، ووقفت بنفسي على عدم الجدية في القبول والمتابعة، الأولوية لديها تسديد الرسوم الدراسية، أما النجاح فشبه مضمون، تصوروا أن الطالب لا يحضر سوى محاضرة أو محاضرتين بالفصل ويتم التغاضي عن ذلك! أي تعليم هذا؟! تصوروا أنه بطريقة مفهومة وغير صريحة يطلب عدم الضغط على الطالب، حتى لا يكون في نظرهم عبئاً على الكلية، حقاً إن واقع هذه الكليات والمعاهد يؤسف له، لمساهمتها في تسطيح الخدمات الصحية في البلاد. من وجهة نظري أن مراجعة وضع الكليات والمعاهد الصحية الأهلية، هو إحدى آليات التطوير والإصلاح ومحاربة الفساد في المجتمع، الخريجون هم أبناء وبنات الوطن، وليس من العدل تركهم لوحدهم يدفعون ثمن تعليم تجاري هزيل، هم وحدهم ضحية للتقصير والفساد وسوء التدبير من القطاعين العام والخاص، أين وزارة التعليم العالي عن هذه الكليات التي تحولت إلى بنوك تجارية؟ أين وزارة الصحة عن هذه المعاهد الصحية المهترية التي تحولت إلى معاطن إبل؟ بقي القول إن معظم خريجي الكليات والمعاهد الصحية الأهلية ذوي قدرات محدودة جداً ومتدنية المستوى، لا تؤهلهم ليكونوا حراس عمائر، فكيف بأطباء وممرضين! كل ذلك نتيجة التراخي وعدم الجدية من قبلها في مناهجها وعدم اختيار أعضاء هيئة التدريس الأكفاء، مما ساهم في تخريج طلاب لا رصيد لهم من أبجديات المهنة، وهذا بسبب إهمال الجهات الرسمية كوزارة التعليم العالي ووزارة الصحة والجهات الرقابية الأخرى، التي منحت ملاكها تأشيرة الدخول في هذا المجال الحساس، وهذه دعوة أو بالأحرى صرخة لهيئة مكافحة الفساد للإلتفات لهذه الكليات والمعاهد الصحية الأهلية، للوقوف بنفسها على مكامن الاستغلال والضياع، والأمر يحتم إعادة النظر في آلية القبول في هذه الكليات بالذات ومتابعة مناهجها والدراسة فيها للحد من التجاوزات والمخالفات الظاهرة للعيان، لتكون مخرجاتها ذات كفاءة عالية، فصحة الإنسان ليست رخيصة إلى هذا الحد، يا أمناء الكليات الأهلية، وحتى لا يكون التعميم ظاهراً هنا؛ فثمة كليات طبية أهلية متمكنة علمياً ومخرجاتها مبدعة، لما كان أصحابها أطباء أصحاب خبراتتراكمة، ليسوا مقاولين!