|
لو تجاوزنا المعاني، وأطلقنا العنان لأدمغتنا لتفترض أن بعض المخلوقات الفضائية قد زارت الأرض، فلا بد أن يجول بخاطرنا سؤال حضاري، منطوقه: أي لعبة رياضية حضارية راقية سنلعبها معهم؟ فنحن لا نريد أن يلعبوا معنا لعبة كرة القدم (الأكثر شعبية على وجه الأرض)، والتي تعتبر بدائية، ويتضرر منها اللاعب والحكم، والجمهور، والتي رغم روعتها إلا أنه يحدث بها الكثير من العنف، والغش، والظلم، والمهازل.
والجواب، الذي يتبادر إلى ذهني هو لعبة كرة المضرب (أو التنس الأرضي كما في الترجمة الحرفية)، تلك اللعبة، التي يتبارى فيها لاعبان في مباريات الفردي، أو فريقان مكونان من لاعبين في مباريات الزوجي، وكلٌ يحمل مضرباً معدنياً ذا رأس بيضاوي الشكل مشدود بالأوتار تقذف به كرة مطاطية مكسوة باللباد لتمريرها فوق الشبكة إلى منطقة الخصم.
ويكمن التحدي في لياقة اللاعب وقدرته على حماية منطقته، ورد الكرة بسرعة وقوة وذكاء، إلى منطقة الخصم، دون ملامسة أو احتكاك أو عنف مباشر بين اللاعبين، ودون أذية للخصم.
وهذه الرياضة عريقة تاريخيا، وكانت في بداياتها حصراً على الطبقة الملكية، وقد أطلق عليها أسماء عديدة من بينها (اللعبة البيضاء)، و(لعبة الملوك)، ثم استقرت أخيراً على اسمها الحالي (التنس).
وقد تطورت هذه اللعبة شيئاً فشيئاً، حيث كانت تلعب باليد، ثم استخدمت المضارب ولأول مرة بشكل فعلي في القرن الخامس عشر الميلادي، وحتى ذلك الوقت لم تكن هذه الرياضة تتمتع بالشعبية، ولكنها لم تلبث أن انتشرت من فرنسا إلى بقية القارة الأوروبية، حيث مارسها (الإنجليز) في القرن الخامس عشر الميلادي، وهم من أطلق عليها اسمها المعروف حالياً (التنس)، وقد أقاموا لها أول بطولة رسمية وبالتحديد في مدينة (ويمبلدون)، في شهر نوفمبر من سنة 1887م، وسميت البطولة باسم (بطولة ويمبلدون)، التي لا تزال تقام حتى وقتنا الحاضر، بطقوس واحتفالية خاصة، بألوان ملابس اللاعبين البيضاء، وبموسم الفراولة، وبجوائزها الأعلى عالمياً.
ولم يتم تأسيس اتحاد خاص لهذه اللعبة حتى سنة 1913م. حيث صنفت من ضمن منهاج الألعاب الأولمبية منذ الدورة الأولمبية الأولى عام 1896، واستمرت حتى دورة 1924، حيث ألغيت من المنهاج الأولمبي، واستبدلت بدورات عالمية وإقليمية خاصة، وتعتبر دورة كأس (دايفس)، التي انعقدت سنة 1900، إحدى أهم دوراتها.
ويتم تصنف اللعبة حسب الأرضية، التي تقام عليها المباريات، وهناك أربع بطولات كبرى تسمى (بالغراند سلام)، وتعتبر من أقوى وأضخم البطولات جماهيرياً ومادياً من حيث مكافآت الفوز وهي: بطولة أستراليا المفتوحة، وبطولة فرنسا المفتوحة المعروفة باسم (رولان غاروس)، وبطولة ويمبلدون في إنجلترا، وبطولة الولايات المتحدة المفتوحة المعروفة باسم (فلاشينغ ميدوز).
وأهم ما يميز لعبة التنس عن غيرها من بقية الألعاب الأخرى لياقياً، هو أنها تفيد معظم أجزاء الجسم، فضلاً عن التناغم العقلي والعصبي العضلي.
ورغم قلة عدد المتبارين، إلا أن لهذه اللعبة احترامها، وقانونيتها، فيكون لها هيئة تحكيم ضخمة تتكون من حكم رئيسي، وعشرة حكام مساعدين، لمراقبة الخطوط، ويوجد للعبة عدد من المساعدين، الذين يقومون بجمع وتمرير الكور، وتوصيلها للاعبين بطرق علمية مدروسة، فالقائمون بها يتلقون الكثير من الدورات والاختبارات والمفاضلة، قبل تشريفهم بأداء هذا العمل.
وقد أدخل مع مرور الزمن مؤخراً وكتعزيز للحكم ما يدعى (بعين الصقر)، الذي يعيد الضربة تلفزيونياً، وبحساب كمبيوتري، رقمي.
إنها ولا شك من أفضل الألعاب البشرية الرياضة وأرقاها، وهي بجزئياتها وقوانينها عصارة فكر إنساني، وتدل على عرف إنساني للتحدي الشريف، وقد توصف بعدة أوصاف أنبل وأزكى، ولا شك في أنها تدل دلالات واضحة على كيفية تفكير الأجيال المختلفة في معنى التحدي، وكيفية إبراز خصلة الروح الرياضية الحقيقية. إنها لعبة المستقبل، والرقي، ولا أشك في أنها ستكون أفضل ما نقدمه للغزاة القادمون، ليلعبوا معنا لعبة حيوية لا ضرر ولا ضرار فيها. لعبة نثبت بها كبشر مدى تحضرنا.