السعودية تحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط أي بعد العراق المحتل في نسبة البطالة، صدق أولا تصدق، وإن صدمتك هذه المعلومة وهي معلومة فخذ الأخرى، السعودية تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية على صعيد الحوالات المالية التي ترسلها العمالة المغتربة،
ولو لا خشيتي على مرضى السكر والضغط والقلب من تضاعف الحالة لديهم إلى درجة الخطر القاتل لقلت إن وزارة العمل (حسب موقع سبق الاليكتروني) تبشر المواطنين بقرب توفر مليون ومائة وعشرين ألف وظيفة خلال عامين وكأنها تخاطب شعبا بلا ذاكرة.
وكنت ذكرت في مقال سابق بعنوان (البطالة تحتاج تشخيصا لا تنفيسا) إن القضية أكبر وبكثير من إثبات الشهامة والفزعة، ولا يمكن حل مشكلة البطالة دون تشخيص أسباب ظهورها من الأصل في وطن يستوعب تسعه ملايين وافد، وفوق هذا لا أعتقد أن مشكلة اجتماعية حصلت على زخم واهتمام كتاب الصحف مثل البطالة، وكأنهم يكتبون ويقترحون ويجتهدون في نفوذ الربع الخالي فلا أحد يسمع أو يقرأ، حتى ظهرت قضية الفقر وانتشار الجريمة وخصوصا السرقة، وتفنن شبابنا في اختراع أعجب طرق السرقات بما في ذلك خلع ماكينة الصرافة من جذورها عبر عربة رافعة، وكأن الوطن خلا من أهله، وليس ذلك فحسب بل واختراع أدهى الحيل لسرقة السيارات في الطريق وعلى رؤوس الأشهاد وبإذن صاحبها رغم أنفه، وأخشى أن يتطور الأمر إلى صناعة العصابات المسلحة ومقاومة رجال الأمن بالسلاح من أجل سرق دجاجه...
ورغم أنه لا رجاء ولا أمل ينتظر من تكرار طرح مثل هذه القضايا، إلا أن اهتمام خادم الحرمين الشريفين وحرصه على سرعة معالجة هذه القضايا وتقديم كافة الدعم والمال والجهد لهذا الغرض يجعلنا نصر ونصر على إعادة طرحها مرة تلو مرة لنذكر المسئولين الذين يتبرعون لنا في كل مرة بتصريح إعلامي عن توفر ملايين الوظائف لنقول لهم: كفوا عن اختراع المهدئات فلم تعد عقولنا قابلة لهذه السموم وبينوا لنا ولو لمرة واحدة دراسة حقيقية عن أسباب ظهور هذه العلل في وطن هو أكبر مصدر للنفط وثاني أكبر مساحة في الوطن العربي وتعداد سكاني لا يزيد على عدد سكان مدينة القاهرة في مصر التي رغم تفاوت الإمكانات لم تصطف معنا في سلم الراسبين في إحصاءات البطالة، وفوق هذا ننافس أقوى اقتصاد في العالم في تصدير الحوالات المالية للعمالة الوافدة، في صورة هي من أعجب وأغرب الصور التي يمكن أن يتخيلها إنسان، ثم يظهر لنا مسؤول ويقول: إن مخرجات التعليم هي السبب وكأن الوافدين إلينا يحملون شهادات من المريخ أو كأن المواطن إذا رغب في وظيفة وجب عليه أن يتبرأ من أهله وعائلته أو أن يرسلهم إلى بلاد أخرى لكي يحصل على بدل سكن وتذاكر سفر ونظرة عطف وتقدير لظروفه القاهرة.
إن نظرة منصفة لحال أجهزة الخدمة العامة والخاصة حتى تظهر تكدس مئات المراجعين أمام موظف أو اثنين، وكأن أداء العمل والانجاز هو آخر ما يفكر فيه المسئول إلى درجة صارت بعض الجهات الحكومية تطلب من المراجعين أخذ موعد مسبق عبر شبكة المعلومات (النت) كي يتمكن من مراجعتها في موعد يمتد أحيانا إلى شهور، وما ذاك إلا لقلة عدد الموظفين، وفي اعتقادي انه لو سمح لهذه الجهات من استقدام العمالة لرأينا مكاتبها تزخر بأصحاب الألسن الأعجمية.
لماذا لا نجرب طالما نحن في زمن التجارب، فتح باب الانتساب للقوات المسلحة أمام الشباب، ثم الاستفادة منهم في البناء والإنشاء وتنفيذ كافة الاحتياجات التي تحتاجها قواتنا المسلحة بمختلف أفرعها لإحلال السعودي الوطني محل العمالة الأجنبية، في البناء والتشييد والإنشاء وحتى الصيانة المكتبية والصحية والكهربائية وغيرها، وهو بالمناسبة معمول به الآن في القطاعات العسكرية، ولكن بنسب وشروط مهنية وأعداد لا تتناسب ونسبة البطالة، باعتبار أن ذلك يأتي على شكل مساهمة (فزعة) من القطاعات العسكرية في حل قضية ليست في الأصل من اختصاصها، لكن الحقيقة أن قضية البطالة مسئولية الدولة، وإطفاء مشكلة البطالة من خلال القطاع العسكري يفيد قواتنا العسكرية ويحمي شبابنا ويساعد في إنشاء الأجيال القوية المهنية القادرة على سد الفراغات في حالات الحاجة والاضطرار.
hassam-alyemni@hotmail.com