مشكلة البطالة متشابكة لا يمكن حلها من قبل وزارة العمل منفردة، وبالتالي فإن جهود الجميع وبشكل متكامل مطلوبة للتصدي لهذه المشكلة، ولا شك أن توفير «شغل» أياً كان مدراً للدخل يعتبر أحد البدائل للحد من البطالة ومشكلاتها. ومن جهة «الشغل» ينطلق الشباب السعودي الذين يعانون من البطالة أو يسعون لتحسين دخولهم خصوصاً أولئك الذين لا يحملون الشهادات كل بما هو متاح له وحسب المواسم لبيع سلع أو تقديم خدمات تدر عليهم بعض المال.
ومن هؤلاء من يستثمر موسم الفقع في لقطه وتعبئته وبيعه، وآخرون يستثمرون موسم الحبحب والشمام والتمور وبعض الفواكه وغيرها حيث يشترونها من المزارع ليبيعوها على الطرق، وآخرون يستثمرون موسم الحج لتقديم خدمة النقل للحجاج والمعتمرين وهكذا. ومعظم هؤلاء إن لم يكن كلهم ولعدم توفر رأس مال للاستثمار في محلات نظامية غالباً ما يبيعون منتجاتهم أو يقدمون خدماتهم بطريقة مخالفة للأنظمة واللوائح ما يجعلهم عرضة للملاحقة والمخالفات من قبل الجهات الرقابية التي تحرص على سلامة المستهلكين رغم ظروف هؤلاء الإنسانية.
مشكلة الباعة الجائلون تعاملت معها أمانة منطقة الرياض بطريقة حضارية إنسانية تجاوزت تطبيق النظام إلى ابتكار الحلول بهدف الموازنة بين المحافظة على سلامة المستهلكين من جهة وتوفير مصدر رزق لهؤلاء الباعة الجائلين الذين لم نتخيل يوماً أن ينطلق الربيع العربي كما يسمى حالياً من أحدهم في تونس.
هذا التعامل الإنساني الذي تجاوزت به الأمانة الطريقة التقليدية في التعامل مع الباعة الجائلين المخالفين تمثل يبدو لي في مراعاة أمانة منطقة الرياض لظروف الباعة الجائلين بإيجاد فرص عمل لهم تمكنهم من تحقيق إيرادات مناسبة في ظروف إنسانية تحترم كرامتهم، بتوفير مواقع مجانية للباعة الجائلين السعوديين بمدينة الرياض بمواقع مظللة ومزودة بالخدمات الضرورية بأنحاء متفرقة من مدينة الرياض.
والجميل في الأمر أن الحل لم يكن حلاً شكلياً لتبرئة الذمة بل كان حلاً عميقاً دقيقاً حيث قامت الأمانة باختيار مواقع مناسبة ذات مساحات ملائمة لأكثر من 30 مبسطاً لبضائع الباعة الجائلين وتم إعداد التصاميم الكاملة لهذه المواقع بما يراعي كافة الاحتياجات حيث يتم تجهيزها بكافة الخدمات الضرورية كدورات المياه والسفلتة والأرصفة والتخطيط والإنارة بالإضافة إلى التظليل لحمايتهم من أشعة الشمس والتغيرات المناخية الأخرى، وكذلك حماية منتجاتهم من التلف، إضافة لتوفير مواقف مناسبة للسيارات.
وحسب علمي فإن عدد هذه المواقع وصل لتسعة مواقع تنتشر في معظم مناطق الرياض والخطة للمزيد قائمة، وأن الأمانة قامت باستقبال طلبات جميع المتقدمين حيث تم توجيههم للاستفادة من تلك المواقع التي نُفذت مؤخراً، كما أن الأمانة كلفت جهازاً رقابياً لمتابعة الموقع وتوفير عدد من حاويات النظافة، وتكليف فرقة من النظافة لمتابعة الموقع بشكل مستمر، بالإضافة إلى أعمال الرش والتطهير، وكل هذه جهود استثنائية لمواجهة مشكلة مخالفات نظامية يعالجها النظام بطريقة تقليدية.
ختاماً فإني أتطلع أن توثق أمانة منطقة الرياض هذه التجربة العلاجية الإنسانية الرائدة والرائعة وتزويد كافة الأجهزة المعنية بالتعامل مع الجمهور بها للتعرف على فلسفتها الفكرية وأساليب تطبيقها والإنجاز الذي تحقق من ورائها للاسترشاد بها في التعامل مع قضايا مشابهة فضلاً عن ترسيخ مفهوم الفكرة الأساس المتمثل بالتصدي للمشكلات بحلول إنسانية وإن كانت عالية التكلفة والجهد وتستهلك الكثير من وقت المسؤولين.
alakil@hotmail.com