مفارقة كبيرة يعيشها العالم حاليا ففي الوقت الذي ينتظر فيه العالم قبل المجتمع الأمريكي التوصل لاتفاق بين الحزب الحاكم الديمقراطي والجمهوريين على اتفاق لرفع سقف الدين الأمريكي بألفين وأربعمائة مليار دولار حتى يتم تقديم المال الذي ستطلبه أمريكا عن طيب خاطر ورغبة لكي يستمروا بالإنفاق على مجتمعهم حتى يستمر دعم الاقتصاد الأكبر بالعالم كي لا يسقط ويضرب بآثاره السلبية على كافة القارات نجد أن القرن الأفريقي وتحديدا الصومال فيها اثني عشر مليون إنسان مهدددون بالموت نتيجة المجاعة التي تضرب بأطنابها تلك المنطقة من العالم وكل ما يحتاجه هؤلاء هو مليار وستمائة مليون دولار فقط ولمدة عام واحد كي تتوقف هذه الكارثة أو الفضيحة كما أسماها مسئول فرنسي.
ورغم كل النداءات لم تستطع الأمم المتحدة جمع سوى نصف المبلغ المطلوب منها خمسمائة مليون دولار قدمها البنك الدولي وستون مليون دولار قدمتها حكومة المملكة العربية السعودية بأمر من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
فالعالم يعيش مجاعات متنوعة ولكنها تحمل معها منطق الغرابة بكافة معطياته فأمريكا جوعها مالي وقد التهمت الكثير منه خلال السنوات الثلاث الماضية بما يفوق حاجة الدول الفقيرة بالعالم بمئات الأضعاف فالأمريكيون يريدون المال ولكنهم يعيشون حالة من الاختلاف السياسي أكثر منه اقتصادي فلا أحد من الأطراف السياسية هناك يختلف على رفع سقف الدين ولكن الجميع يريد تحقيق مكاسب سياسية تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم.
وفي ظل اختلافهم تستفيد أمريكا أيضا فتذبذب أسعار الدولار انخفاضا مع تقلبات مزاج المتفاوضين الأمريكان على آلية رفع سقف الديون ترتفع قدرة الشركات الأمريكية على منافسة نظيراتها في شتى أنحاء العالم بانخفاض أسعار سلعها من حيث التكلفة وبالتالي ترتفع صادراتهم وليس هناك أبلغ من النتائج التي حققتها جل الشركات الأمريكية للربع المنتهي من ارتفاع بأرباحها فاق التوقعات ويحرص الساسة على خدمة الأطراف الداعمة لهم بالانتخابات والتي تعد القاعدة الرئيسية لناخبيهم مابين أثرياء لايريد الجمهوريون رفع الضرائب عليهم وبقية الشرائح بالمجتمع الأمريكي حيث يريد الديمقراطيون بقاء الامتيازات الصحية والضمان الاجتماعي على حاله كي يبقى لكل طرف سياسي قوته بالانتخابات لدى داعميه.
بينما يبقى الاقتصاد العالمي يعيش تحت ضغط ماسيقرره الأمريكان بشأن ديونهم فإن المال سيضخ بكثافة لحظة اتفاقهم على رفع سقف الديون وسيؤمن كل ما سيطلبونه لسد مجاعتهم المالية في لحظات إلا أن الحال يختلف لدى المزاج العالمي عندما تحدث كارثة بدول فقيرة فيكون هناك شح بتقديم المال وعقد مؤتمرات وتشكيل لجان ودعوة المانحين وتبرز العبارات الإنسانية على لسان ساسة الغرب دون أن يكون هناك عطاء بحجم المشكلة.
وليس أبلغ من ما حدث بمؤتمر منظمة الفاو بروما لمعالجة مشكلة القرن الأفريقي الغذائية حيث لم يتم التوصل الى اتفاق واضح المعالم لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية فرئيس فرنسا دعا للمؤتمر وطالب العالم بمعالجة المشكلة الإنسانية بالصومال ومع ذلك لم نسمع من دول الاتحاد الأوربي التي تنتمي لها دولته تلك المبادرات التي تغطي الاحتياجات الملحة والبسيطة بنفس الوقت للصومال بينما لم تتردد تلك الدول الغنية بتقديم مئات المليارات من الدولارت لليونان أصغر دولها اقتصاديا عندما عصفت بها مشكلة الديون السيادية.
العالم يعيش أزمة قيادة بالمقام الأول ففي الصومال فشلت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على مدى عقدين في حل مشاكلها السياسية والإنسانية بينما ترك القادة بالعالم الغربي على ضفتي الأطلسي الثغرات الاقتصادية تتوسع لأساطين المال من مؤسسات وأفراد حتى تضخمت الأسواق وتسربت الأموال إلى غير مكانها الصحيح فانفجرت الفقاعة ووقع العالم كله تحت وطأة الأزمة المالية الأشد والأخطر بالتاريخ لكن أفرزت مجاعة متساوية للأشد ثراء وفقرا بالجوع الأول للمال والثاني للغذاء.