التفرد بطبع أو صفة، بقصد الشهرة في أوساط المجتمع؛ أخذ يدخل مضمار التسابق بين شرائح اجتماعية تبحث عن التميز، رجال ونساء يبذلون أثماناً قد تكون باهظة في سبيل تحقيق أي نسبة من هذا الحلم ولو لمدة وجيزة، قد تكون أثناء حفلة زفاف أو خطوبة، أو دعوة لعشاء يستثمرها هؤلاء للتلذذ بسويعات التميز التي يرون أنها تمنحهم شيئاً من نظرات الحضور (وهذا يكفيهم) دون اعتبار إن كانت نظرات إعجاب أو دون ذلك، وهم يهمهم لفت الأنظار بأي طريقة ولكل منهم أسلوبه ومنهجه، وبعضهم لا يبالي حين ممارساته لما يسميه التميز إن كان يخالف العرف الاجتماعي أو الذوق العام.
تشاهد شاباً يحلق شعر رأسه تماماً لكنه يطيل شاربه ويجعله كثيفاً وينزل إلى ذقنه، أو رجلاً يطيل شعر رأسه بشكل ملفت جداً ولا يتناسب مع سنة أو وضعه الأسرى، أو مراهقاً يعدل في منظر وشكل سيارته إلى درجة أنك لا تعرف إن كانت حراثة أو سيارة سباق، ونساء يحضرن للأفراح والمناسبات (يقال) أنهن يصنعن الأعاجيب من حيث قصات الشعر والماكياج والملابس الغريبة التي قد يكون أثرها عكسياً في ما يتعلق بمقاييس الجمال والأناقة، ولكنه شغف التميز والتفرد عن الغير كما يزعمون، وكثير من هؤلاء يركزون على المظاهر الخارجية دون النظر لجوهر النفس.
قرأت فيما مضى قصة تقول إن رجلاً زمن الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قبض عليه وهو يبول في زمزم فاقتيد للمساءلة وهو مبتهج ضاحك مسرور، سألوه: ماذا يفرحك الآن؟! قال: هذا ما كنت أتمناه سيتحدث عني الناس قروناً! والناس تناست اسمه والتقطت الحادثة كعبرة ومثل يروى، كان يريد أن يحاكي ذوي العقول والنهى شهرة وقدراً ولكن بفعل مشين وتصرف أرعن لعجزه عن بلوغ قاماتهم بما وصلوا إليه من مجد صنعوه لأنفسهم مما اكتسبوه من جوامع العلم والحلم والحكمة، ما أبشع الدور التمثيلي المصطنع ممن لا يجيد التشخيص، ومن مقلد لا يعرف أدنى حدود مستلزمات التقليد، يرهقون أنفسهم ويكلفونها شططاً في الإصرار على أن يكونوا في دائرة الضوء، ويكلفون جيوبهم مصروفات كان يمكن دفعها فيما يفيد، وقنوات الاستثمار في سبيل الخير كثيرة تصب في فائدة الأقربين من أصول الآسرة وفروعها، وإن كان في ضرب الأمثال وتقديم المقترح ما يوضح الصورة فإن اتخاذ قرار بتخصيص بضع مئات من المرتب شهرياً (للقادرين) وصرفه في هذه القنوات، فهي خير آلاف المرات مما يصنعون طلباً للأضواء الزائفة، وما عند الله خير وأبقى، وإن كان لابد من التقليد فإن لنا أسوة بمن سجلوا أسماءهم عطرة ناصعة لم ولن تمحى مدى الزمن، أين هم من مثل هذه الرموز والقامات التي لا يملك الإنسان إلا أن يقف لها احتراماً، ويقرأ سيرتها تقديراً وإجلالاً، وينهل من تجاربهم علَّه يبلغ اليسير مما بلغوه.