عندما سقطت الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي استفادت إسبانيا والبرتغال من ذلك السقوط أيما استفادة، ولعل وصول كرستوفر كولومبس إلى الأمريكتين أحد تلك العوائد الهامة لذلك النصر الإسباني على حساب الوجود الإسلامي هناك، وكان معه من البحارة الأندلسيين عدد غير قليل، لكن هناك شواهد كثيرة تظهر أن كولومبس ليس هو أول الواصلين إلى تلك الديار المجهولة لدى العالم القديم. فكولومبس في مذكراته الضائعة المسماة «يوميات الرحلة الأولى» والتي وصل إلينا قليل منها، قد ذكر أنه شاهد في عام 1492 أثراً لمسجد في قمة أحد الجبال بكوبا، كما ذكر أن ذلك المسجد له مآذن ونقوش تحوي جدرانه كتابات عربية. وعند وصوله إلى هايتي في رحلته الثانية شاهد لدى الهنود الحمر رماحاً تشبه رماح المسلمين ذوي البشرة السوداء، ولاحظ أن طعام الهنود الحمر مشابه لطعام المسلمين، وهو الإسباني الذي عايش فترة محاكم التفتيش الإسبانية، والتي تجعل من الطعام دليلاً على إسلام الرجل حتى وإن كان متنصراً، ومن ثم اصطفاء ماله وطرده وإبقاء أطفاله حتى تتم تربيتهم تربية مسيحية حقيقية، وقد اندهش لكونهم «محمديون» لأن طعامهم يشبه طعام المسلمين، كما وجد مخطوطات إسلامية، وهو القريب عهد بها، بل والمعاصر لها، لكن لا أحد يقطع بالطريق والطريقة التي وصل بها هؤلاء المسلمون إلى تلك الديار البعيدة، فهناك من يقول إن حملات إسلامية إفريقية قد ضلت طريقها في بحر الظلمات حتى وصلت إلى ذلك العالم فتركت أثرها هناك، وهناك من يقول: إن ملك مالي الإسلامية واسمه موسى، والذي حكم في بداية القرن الرابع عشر قد بعث بأسطولين لم يعودا أبداً، وربما أن الأسطولين المذكورين قد حطا الرحال هناك.
أما المسعودي في كتابه «مروج الذهب» الذي ألفه في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي فقد ذكر أن أمير البحر خشخاش بن سعيد بن أسود، قد وصل إلى أرض مجهولة، وعاد بكنوز عظيمة، ويكاد ينطبق وصفه على المنطقة التي انطلق منها خشخاش على تلك التي أبحر منها كولومبس، وكان جلياً أن الإسبان في رحلاتهم المتتابعة لأمريكا كانوا يستعينون بالمسلمين؛ فالمكتشف دينيز استعان بأحد بحارة المغرب واسمه اسطيفان، والذي قتله الهنود الحمر في النصف الأول من القرن السادس عشر، أما فلوريدا الأمريكية الشمالية فقد تم اكتشافها من قبل ثلاثة من البحارة العرب من ضمنهم سطيفان المذكور.
والإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق» وكتابه «مسالك الأبصار» قد أومأ إلى قيام المسلمين برحلات بحرية في المحيط الأطلسي. أما المؤرخ باري نيل، فقد أورد الكثير من الأدلة التي تؤكد وجود المسلمين في بعض الولايات الأمريكية، من ذلك أسماء عربية مثل مكة الذي يطلق على قبيلة هندية، وأسماء أخرى مثل أحمد ومحمد ومنى والمرابطين.
إن الحديث عن الرحلات البحرية الإسلامية والشواهد التي تثبت وصول المسلمين إلى العالم الجديد قبل غيرهم من الشعوب في العالم القديم كثيرة، ولعل الاكتفاء بما ذكر يعطي لمحة عن تلك المغامرات والقدرات الإسلامية في فترة من التاريخ الإسلامي المجيد.
ليس مهما أن يثبت المسلمون أن لهم تاريخاً مجيداً، فهذا أمر ثابت، فقد كان تلاقح الحضارات وظهورها في منطقة ثم أفولها طبيعة درجت عليها الأمم، غير أن الأهم أننا في وقتنا الحاضر ما زلنا بعيدين عن ميدان المساهمة الفعلية في التقدم القائم في حاضرنا مع توافر جميع الإمكانات، غير أن الرغبة الذاتية، والدوافع السياسية والاجتماعية في بعض من دول عالمنا الإسلامي قد تحبط الطموح، والأمل لدى الأفراد أو الجماعات العازمة والقادرة على بناء حضارة إسلامية تستطيع مجاراة غيرها من الحضارات السائدة الآن في مختلف بقاع الأرض.