من الجميل أن يكون الإنسان واثقاً من نفسه، عارفاً بقدراته، مدركاً لإمكانياته، راضياً عن إنجازاته... ولكن عندما تنقلب هذه الثقة إلى غرور وغطرسة تبدأ «الأنا» داخل هذا الشخص وتتضخم شيئاً فشيئاً حتى يصبح لا يرى الناس إلا نملاً وهم لا يرونه إلا ذباباً!
يعتقد بعض الأشخاص أن الثقة والغرور وجهان لعملة واحدة، ولكن هذا ليس بصحيح؛ فهما على النقيض من بعضهما. ففي حين تمثل الثقة بالنفس صفة إيجابية، يعتبر الغرور خصلة مذمومة. يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (18) سورة لقمان. فالخيلاء والعُجب بالنفس والكبرياء هي مرادفات للغرور ومُعرفات له؛ فالغرور هو أن لا ترى إلا «نفسك» ولا تسمع إلا «صوتك» ولا تعترف إلا «بإنجازاتك» ولا تهتم إلا «بمشاعرك» وحدك. ولهذا قيل (الغرور هو أن ترى في نفسك ما لا يستطيع الآخرون رؤيته)! ومن كان كذلك فهو بلا شك شخصية مكروهة مذمومة، يتحاشى الناس مجالسته والحديث معه، لأنهم يعتبرون أن النقاش مع أمثاله سيكون نقاشاً عقيماً لا فائدة منه. أما على المستوى الشخصي فمن الملاحظ أن الشخص المغرور كثيراً ما يكون عصبياً ومتقلب المزاج، ونادراً ما يعمل على تطوير ذاته وقدراته أو تصحيح عيوبه وأخطائه، لأنه يتجاهل سلبياته ويتعامى عن عوامل النقص داخله؛ فهالة التعظيم والتمجيد التي يحيط بها نفسه تمنعه من رؤية نفسه على حقيقتها.
أما الثقة بالنفس فهي أن يكون الشخص على دراية كاملة بمواطن القوة والضعف في داخله؛ فلا يرى أنه «فوق الآخرين» وفي نفس الوقت لا يقلل من شأن نفسه. فهو قادر على مواجهة الحياة بنفس مطمئنة لأنه يعي تماماً حجم القدرات والمهارات التي يتحلى بها. ولكنه لا يقوم «باستعراض» هذه القدرات والمهارات أمام الآخرين، بل يجعلهم «يشعرون» بها دون أن يشير إليها! كما نرى بأنه شخصية محبوبة من الجميع، يقبل الناس عليه، ويحرصون على استشارته، وفي أحيان كثيرة يصبح قدوةً لهم في الحرص على تنمية المهارات، واستغلال الأوقات، والاستفادة من الأخطاء، والبعد عن التعالي. فالثقة بالنفس صفة «مكتسبة» وليست موروثة.
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله- (أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلاً من لا يرى فضله). جعلنا الله وإياكم ممن أحبه الناس وعرف قدره ورفع الله منزلته ليرى من حوله وينزلهم منازلهم إنه سميع مجيب.
- شقراء