اعتذر الداعية المتحمس حد التهور عبدالله بن قعود للطلاب المبتعثين في بريطانيا وتراجع عن قذفه العلني لهم باتهامهم بشرب المسكرات وترك الصلوات في لقاء بث عبر قناة بداية الفضائية، وبكى وذرف الدموع بعد أن كذب ثلاثة من رؤساء أندية الطلبة السعوديين جميع ما ورد على لسانه وتبرأوا منه ونفوا أن يكونوا قد قدموا له أي معلومات وفق ما صرحوا به لصحيفة الحياة في عددها الثلاثاء الماضي.
يا فرحتنا باعتذار القعود بعد إشعاله لنار الفتنة بين المبتعثين وأسرهم واختلاقه لدراسات ونتائج ونسب لا توجد إلا في رأسه وإثارته لقضية فرجت علينا الأمم الأخرى وصورت شبابنا بالعصاة والمنحرفين.. يافرحتنا باعتذار القعود والذي وصفه فضيلته بالشجاع! لكن ما الفائدة التي سيجنيها طلابنا المبتعثون من هذا الاعتذار الباكي بعد أن قذفهم دون دليل وشكك في عقائدهم؟ هل الاعتذار سيرد لهم كرامتهم المهدرة وسمعتهم التي مرغت في الوحل؟ ثم من سيعوض أسرهم عن أيام عصيبة قاسية عاشوها تحت سياط الصدمة ولهيب الإتهامات الكاذبة.
إذا كان شارب الخمر عاصياً ومرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب فإن تارك الصلاة عمدًا كافر وفق الدين الإسلامي، والقعود وصم الطلاب بهذه وتلك وكلاهما طامة أكبر من الأخرى ولم يقدم ما يثبت تورط الطلاب بهاتين الطامتين، وفي الشريعة البينة على المدعي واليمين على من أنكر. ولأنه لم يقدم البينة على ما ادعاه فإنه مطلوب شرعًا بتهمة القذف وإقامة حد القذف عليه مطلب؛ كي لا يتجرأ غيره على ما أقدم عليه!
أصبح من السهل على كل واعظ أن يتهم الآخرين ويشكك في ذممهم ونياتهم وسلوكياتهم، وقد سبق القعود وأن شكك في ولاء بعض مواطني هذا البلد ثم عاد وأعتذر وخرج من الموضوع كما تخرج الشعرة من العجين! المجال للقذف والاتهام مفتوح وخط الرجعة متاح وهو أمر طبيعي فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وهؤلاء يدركون أن لا أنظمة تفرملهم ولا جزاءات موجعة تردعهم فركبوا هذه الموجة المربحة.
يظهر فجأة ودون مقدمات من يتهم ويخون الآخرين دون إثبات دليله ومصدره وكالة يقولون, وذكر لي, وسمعت وأفادني ثقات ممن أحسبهم على خير والله حسيبهم، والنتيجة كلام في الفضاء يطير في الهواء وتنشر الفضائح بين الخلائق ويطير صاحب الفضيلة بالشهرة التي يبحث عنها ويحلم بها والعقود الفضائية المنتظرة بعد أن تساقط ضحاياه ولا بأس من تقديم الاعتذار بشجاعة مثل شجاعة ابن قعود بعد قذف الأبرياء وإطلاق معلومات خاطئة لا تستند إلى حقائق موثقة في عصر المعلومات المتاحة والمتدفقة بوفرة عبر تقنيات الإنترنت المتعددة؛ اليوتيوب والفيس بوك والتويتر والمواقع الإلكترونية.
عصر تنتقل المعلومة في غمضة عين والوقائع تسجل وتحفظ وتنشر ومن لا يزن كلامه يتحمل تبعاته. لم تعد القصص الوهمية والخرافات والخزعبلات تلقى رواجا لدى المثقفين والمتعلمين والمتنورين, صحيح أن سوقها رابحة في أوساط البسطاء ومحدودي الثقافة والمؤدلجين ومن يصدقون دون تفكير ما يبثه بعض الوعاظ لكنها أصبحت من الماضي في عقليات شريحة واسعة من المجتمع.
القضية التي اختلقها القعود أصبحت قضية رأي عام ولا يفيد فيها الاعتذار والأمر متروك لأصحاب الشأن ليقولوا كلمتهم الفصل ويستردوا حقوقهم ويكبحوا جماح المتهورين.
shlash2010@hotmail.com