صحب والدي - رحمه الله - العقيلات في رحلاتهم إلى العراق وبلاد الشام ومصر وشاركهم في التجارة والبيع والشراء، وكان شغوفاً بالعلم والأدب، فعندما يحلّ العقيلات ببلد يقوم والدي بالمرور على مكتبات ذلك البلد يشتري منها نفائس الكتب ويطلع على الصحف والمجلات، فعرف عنه ذلك، فقد تردد على مكتبات بغداد وعمان ودمشق والقدس والقاهرة، فمن الكتب التي اشتراها ولا تزال في مكتبته: المستطرف في كل فن مستظرف، صيد الخاطر، حياة الحيوان الكبرى، لطائف المعارف، إغاثة اللهفان وغيرها كثير.
وكتاب مقامات الحريري - الذي اشتراه من إحدى مكتبات دمشق يحظى بمكانة مرموقة لديه، فكان يقرأ تلك المقامات دائماً ويطلب منا قراءتها بل ويملي علينا فقرات مطولة منها، وكان يقول: إن شخصية (أبوزيد السروجي) والتي يذكرها الحريري في مقاماته ربما تكون شخصية وهمية أتى بها المؤلف للترويح عن القارئ ولإيصال المعلومة إليه بطريقة مشوقة وجذابة.
وقد اعتمد الحريري في مقاماته على السجع الجميل وعلى الشعر في بحره البسيط، وذلك لإظهار غريب اللغة العربية ومواطن الجمال فيها، وإليك عزيزي القارئ مقطعاً من إحدى المقامات وهي المقامة المسماة (المقامة السنجارية).
(حكى الحارث بن هَمَّام قال: قفلتُ ذات مرة من الشام، أنحو مدينة السلام، في ركب من بني نُمير، ورفقة أولي خيرٍ وميرٍ، ومعنا أبو زيد السروجي عُقلةُ العَجلان، وسلوة الثكلان، وأعجوبة الزمان، والمشار إليه بالبنان فصادف نزولنا سنجار، أن أولم بها أحد التجار، فدعا إلى مأدبته الجفلى من أهل الحضارة والغلا، حتى سرت دعوته إلى القافلة وجمع فيها بين الفريضة والنافلة، فلما أجبنا مناديه، وحللنا ناديه، أحضر من أطعمة اليد واليدين ما حلا في الفم وحليَ بالعين....).
إن كتاب مقامات الحريري كتاب قيّم أثرى اللغة العربية وآدابها.
كانت آخر رحلة لوالدي مع العقيلات عام 1355هـ، عندما ألقى عصا الترحال وافتتح مع صديقه الوفي صالح بن سليمان العمري - رحمه الله - محلاً تجارياً في بريدة يبيعان فيه السجاد والمشالح العربية والبخور.
-بريدة