خلال حضوري المؤتمر العالمي عن جهود المملكة في خدمة القضايا الإسلامية، الذي عُقد في رحاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، حرصت على زيارة بعض المعالم والمواقع التاريخية في المدينة المنورة التي ارتبطت بأحداث مهمة، ثم قمت بزيارة لمكتبة الملك عبدالعزيز، أحد معالم المدينة المنورة؛ فهي أكبر المكتبات، وذات سمة خاصة جعلتها تجمع بين خصائص المكتبة العامة ومركز المخطوطات ومركز البحث العلمي. ولا غرو؛ فالمكتبات في كل أمة عنوان رقيها؛ فهي تؤدي أصدق خدمة وأجلها، ومن أهم ركائز المجتمع؛ إذ تتحف عشاق المعرفة ورواد العلم بينابيع ثرة عن المعارف والفوائد والعلوم. وقد ذهبت بصحبة الصديقين الدكتور عبدالله العسكر والدكتور عبدالرحمن المديرس، وقد قابلنا مديرها الدكتور عبدالرحمن المزيني بكل بشاشة وترحيب، وشرح لنا رسالتها وما تحتويه من المخطوطات التي تربو على أربعة عشر ألف مخطوط في مختلف العلوم والمعارف والفنون، وأصبحت مقصداً للباحثين والدارسين. ثم قمنا بجولة في أرجاء المكتبة للاطلاع على محتوياتها ومخطوطاتها؛ حيث ضمت بين أرجائها مكتبات عدة كانت موزَّعة بين نواحي المدينة المنورة مثل مكتبة المصحف الشريف ومكتبة عارف حكمت ومكتبة المحمودية ومكتبة المدينة المنورة ومكتبات الأوقاف المتعددة ومكتبات لبعض الأعيان والعلماء، ثم شاهدنا عدداً كبيراً من المخطوطات، وبعض منها قام بنسخه علماء المدينة المنورة بأيديهم، وأبرزها منسوخات الشيخ عارف حكمت وعمر حمدان ومحمد إبراهيم الخشني. كما حوت المكتبة مجموعات من المخطوطات المنسوخة بمختلف أنواع الخط العربي (النسخ والأندلسي والمغربي)، كما شملت هذه المجموعات الحقول العلمية الإسلامية النظرية كافة والتطبيقية والرياضية. كما شاهدنا بعض المخطوطات ذات الزخارف اليدوية الجميلة والكثير من المخطوطات المذهبة.
كما قامت المكتبة بإعداد فهرس لمخطوطات تفسير القرآن الكريم وعلومه، حوى بين دفتيه تعريفاً بما يقارب الألف وخمسمائة مخطوط. ومما يميز هذه المخطوطات أن كثيراً منها كُتبت بخطوط صائغها، واشتمل البعض منها على كثير من التعليقات والحواشي المفيدة والتصويبات والمقابلات على أيدي مشاهير العلماء. ولا شك أن هذا الفهرس لتلك المخطوطات عمل كبير يستحق الإشادة والتقدير، وسوف يخدم الإخوة الباحثين والدارسين والمهتمين بالتراث المخطوط من طلاب العلم والباحثين.
حقاً لقد استمتعنا بجولة مفيدة في رحاب هذه المكتبة والاطلاع على كنوزها النفيسة ومعارفها المفيدة، كما زرنا المكتبة النسائية ومكتبة الطفل والحاسب الآلي وغير ذلك من مرافق المكتبة بالأقسام المساندة. ولا يفوتني في الختام أن أشكر سعادة الدكتور عبدالرحمن المزيني مديرها والعاملين فيها، وأدعو الله أن يبارك في جهودهم على هذا الإنجاز المتميز راجياً لهم التوفيق والسداد لأداء خدماتها لرواد العلم والمعرفة. وحري بشبابنا أن يرتادوا المكتبات ويحرصوا على قراءة الكتاب؛ فقد كان أسلافنا يقولون:
جل قدر الكتاب يا صاح عندي
فهو أغلى من الجواهر قدرا
فالكتاب هو السجل الدائم للحضارة والثقافة الإنسانية.