كيف لسمو الأمير سلمان أن يغالب دموعه الحرّى، وينتصر على حزنه الكبير، ويقاوم تأثره البالغ، ويواسي صدمته القوية بما يريحه ويؤنسه ويقوّي من عزيمته في فاجعته وخسارته وبلوغ أحزانه إلى هذا المستوى، كيف له أن يعالج هذا الموقف الحزين الذي يمر به الآن، والجو المجلّل بالعواطف الجيّاشة التي تثيرها الآن وليس من قبل الذكريات الجميلة وسنوات العمر الأغلى والأهم التي قضاها مع الأميرة الفقيدة سلطانة بنت تركي الأحمد السديري.
***
وتأكيداً على ذلك فإن أيام العواطف والعودة إلى السنين التي خلت تبلغ الآن -كما أتصور- في حياة الأمير سلمان وإن شابها شيء من الحزن الكبير مداها الواسع، فقد عاش منذ زهرة شبابه مع رفيقة دربه وصديقة عمره وإلى أن وافاها الأجل المحتوم أجمل الذكريات، يؤطرها الوفاء والإخلاص والحب الصادق، ويعمرها التجانس في الصفات والمواصفات بينهما في التسامح وحب الخير والمعاملة الكريمة مع الناس.
***
كيف لرجل -وإن كان سلمان- لا يحزن ولا يتأثر ولا تهل الدموع السخية من عينيه، وقد فاجأه الموت بوفاة زوجته وحبه الكبير الأميرة سلطانة السديري بعد معاناة طويلة مع المرض، وهو الذي لم تجف دموعه بعد في فاجعتين كانتا لهما السبق بوفاة ابنيه الغاليين فهد وأحمد ابني سلمان بن عبدالعزيز.
***
ومثلما تحيط بسلمان القوي كل هذه الأحزان، وتقيّده تلك الصور من المواقف التي قد لا يقوى سموه على مقاومتها، فإنه لا بد أن يكون لأبناء الفقيدة الأمراء عبدالعزيز وسلطان وفيصل ومعهما شقيقتهم الأميرة حصة شكلاً ومظهراً وصوراً أخرى معبِّرة عن هذا الفقد الكبير، وأيُّ حزن أبلغ وأعمق من الحزن في وفاة أم وغياب والدة، حيث الحنان والعواطف والرعاية والحب التي لا يجدها المرء إلا في والديه أمه وأبيه.
***
كانت المرة الأولى والأخيرة التي استمعت فيها إلى صوت الأميرة سلطانة حـين اتصلــت بي ذات يوم وعبر الهاتف تعلِّق بهدوء وتواضع على خبر كنا نشــــرناه في صحيفة الجزيرة عنها، حيث رعت مع ابنتها الأميرة حصة إحدى المناسبات، وأشار الخبر إلى أنها صاحبة السمو الملكي، فقالت يا ابني أنا لست صاحبة سمو ملكي، هذا يصح أن يُقال عن حصة لا أن يُقال عني، ولم تزد على ذلك سوى أنها قالت لا أريد أن تكون الجزيرة موضع ملاحظة أو نقد، ولم يحمل عتابها أو تنبيهها أو ملاحظتها آنذاك أكثر من أنها كما لو هي تترجم لي ما كان يقال عن شخصيتها وإنسانيتها وتواضعها وحبها للخبر، والنأي بنفسها عن كل مظاهر الإعلام بفلاشاته وألوانه وصوره المتعددة.
***
فيا سلمان وأبناء سلمان، هذا هو قدرنا جميعاً، ضيف يطرق أبوابنا ومن دون توقف، لا يستأذن أحداً منّا، وإذا به من حين لآخر ينتزع من بين أيدينا الأغلى والأنفس والأحب في حياة كل منّا، ويترك لنا بعد ذلك بقيّة من أحزان أخرى لزيارات قادمة، قد تطول وقد تقصر، وهكذا هو الموت ضيف وإن لم نرحب به أو نستضيفه، فهو في النهاية ضيف دائم شئنا أم أبينا، فاللهم ارحم والدة فهد بن سلمان بن عبدالعزيز بواسع رحمتك ومغفرتك وأسكنها -يا الله- في روضة من روضات الجنة مع المبشّرين بها، وأجبر خواطر سلمان وأبنائه في وفاة الأميرة سلطانة بنت تركي الأحمد السديري.