وأنا أتابع أحداث مصر، تلك الأحداث التي عصفت بها، وساقت معها رياح التغيير الذي لم يكن يخطر ببال أحد مهما طغى تفكيره، وما يلف منطقة الشرق الأوسط مما يسمى بالربيع العربي، جاءت صورته أمامي كطيف جميل، وكأن حالي، حال قيس بن الملوح حينما تاق لليلى فقال:
تذكرت ليلى والسنين الخواليا
وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
يوم كأن أحداثه قبل ساعة، عندما قادتني الخطى إلى زيارة «سور الأزبكية» مع صديق محب للكتب والثقافة، فسقنا الخطى إلى حيث هو، عبر ميدان العتبة وسط القاهرة، في إحدى رحلاتي القاهرية، كأني به لن يعود، وأتذكر أني أول ما بدأت أتجول بين مكتباته التي تمثل معرضا مفتوحا لأنواع الكتب القديمة والجديدة، كنت أتفحص كل الوجوه التي تمر بي، فلعل من بينها وجه أحد المثقفين الذين قرأنا لهم، أو سمعنا عنهم وقرأنا سيرهم ومؤلفاتهم، كنجيب محفوظ، أو توفيق الحكيم أو العقاد أو غيرهم، رغم أن بعضهم كان قد طواه الثرى، كنت أجد في الساعة التي أقضيها متجولا أمام مكتبات سور الأزبكية، كانت ساعة لا تعوض ولا تقدر بثمن مع صاحب الرحلة، بالرغم من أن شكل السور، ليس بالشكل الذي كنا نقرأ عنه، ونشأته البسيطة مع بيع الكتب المستعملة والكتب القديمة، عادت ذكراها لي الليلة كما عادت ذكرى حبيبة إلى حبيبها فقال: «نعم سرى طيف من أهوى فأرقني»، وبينما أنا أستعيد هذه الصورة التخيلية لسور الأزبكية، هاتفني زميل لا ينقطع من مكالماته لي، فأخبرته بالشوق الذي أخذني معه إلى الوراء، ليوم قضيته في مكان تاريخي، وكيف أنني كنت أعثر على كتيبات مستعملة كتب عليها إهداءات، فسألني وقد أرفق سؤاله تنهيدة طويلة أتراه سيعود ذلك اليوم أو أجمل ؟ قلت والشوق يحدوني إلى مصر لما لها من ذكريات ستظل مخلدة في النفس ما حييت، سأظل أحدّث النفس بزيارتها، ولا أدري؛ فالشاعر يتسلى مثلي بقوله:
يا قلب ويحك لا سلمى بذي سلم
ولا الزمان الذي قد فات يرتجع
لكن ستظل الأمنيات بداخلي متزاحمة مشتاقة لأرض الكنانة، تهوى منازل وأماكن مازالت ذكراها كالوشم باقية على نسيج ذاكرتي لم تُمح.