(في إحدى زياراتي لمصر، تلك السيدة العجوز التي ولدت ابنها الثورة بعد سن اليأس شارك في أبوته الكرامة والحاجة وموضة الثورات - وبعد أن تورمت قدماي في الفجّالة أبحث عن كتاب غريب في اسمه ومضمونه! انتهى بي الحال واقفاً في إحدى زوايا قبر الحسين أتفرج على الناس الذين استعبدهم الجهل وفرض عليهم سياط العبودية.
لم تكن زيارتي لقبر الحسين هي الأولى، فكل زيارة للحسين أو خان الخليلي لا بد أن يكون لي مرور وأقف هناك ما لا يقل عن نصف الساعة، أتمعن في وجوه قادمة غلب على سحناتها الجهل والخوف والرجاء.
كان يقف بجانبي زميل مصري، كنا نشاهد والدين تعلقا بسور القبر ومعهما ابنهما الصغير، تصرخ الأم ويبكي الأب، وكلهم يطلبون الحسين أن يعتق ابنهم من مس الشيطان الرجيم، وأنهم لم يبخلوا في التبرع والتبرك والتمسح في الحسين، ومازال الشيطان يقبع في كينونة ابنهم الصغير.
كنا ننظر للولد في إشفاق، فكل علامة من علامات مرض (التوحد) أصيب بها، ولا للشيطان مكان في جسد هذا الصغير.
أسهب زميلي الفيلسوف في لعن التخلف الذي يعيشه هؤلاء، لم أتركه يواصل لعن الذات المعتاد، وطلبت منه أن يأتي ليزور مزار الصحابي زيد بن الخطاب في العيينة في الرياض! التفت لي وطلب مني عدم (التطنز) فيه مظهراً غبطته لنا أننا لا نعرف هذه الأنواع من التخلف، رغم أنه نفسه دائماً ما يدلعني بصديقي الوهابي الذي كاد أن يكون متخلفاً! قلت له متهكماً، تغبطنا وتلعننا، ما يصير!، فذاك محمد بن عبدالوهاب الذي تراه معيباً لنا هو من هدم الأضرحة وأعتق الناس من عبودية الجهل، وهو الذي أخبرنا اعتقاداً نسيناه جهلاً بأن الميت لن ينفع ولن يضر حياً.
صدقني (مواصلاً الكلام له) أنه لولا الله ثم ذاك البدوي المتنطع -كما تصفونه- لرأيتنا (منبطحين) على عتبات القبور، لا، ونحن سوف نكون أسوأ منكم، فنحن نسرف وتتقطع عروقنا حماساً في كل شيء، فسوف ترى بني تميم تعلقوا فقط في أستار قبر القعقاع بن عمرو التميمي، وسوف ترى العتبان يحلفون ويثبتون بأن خالد بن الوليد (خواله عتبان) وسوف ترى قبر بلال بن رباح بلا خدمات بحكم أنه صحابي وكان مستعبداً، وسوف ترى مناطق أخرى تطالب بإبعاد قبر صهيب بحجة أنه طرش بحر!
شرحت له أيضاً أن بعض كتب المستشرقين كتبت أصنافاً من التخلف الذي كنا نعيشه قبل محمد بن عبدالوهاب، لا هو (أي المصري) ولا أي دولة عربية سوف تنافسنا في ذاك التخلف! لم يعلق وقتها، ولم أقف عن الكلام شارحاً له الوهابية التي نسبت لنا وهي أساسها لعبدالوهاب رستم الإباضي من المغرب!
لم يستوعب صديقي الفيلسوف، فيجب أن أستعين بمقولة لسقراط أو لأفلاطون حتى يفهم، لذلك لا أظنني أجدت الشرح ولم يقطعنا إلا ذاك القيّم على قبر الحسين جامعاً للتبرعات متوعدنا بالثبور والنار إن لم ندفع، وجنة الخلد لمن دفع جنيه، ودفعت اثنين، واحداً عني، والآخر تركته معلقاً احتياطاً.
نسيت أن أكتب في البداية لماذا كتبت لكِ، كتبت ما كتبت يا سيدتي تنويهاً بأنني أعجبت في مقالك «تهمة الوهابية»، ولكن يجب أن تعلمي أن من توجهين لهم الخطاب لن يحاولوا أن يفهموه، مثلما نحن لا نريد أن نفهم ما يخالف كسب عيشنا!).كانت هذه رسالة من قارئ، وصلتني دون اسم.
تمعنت بها كثيراً وبما حملته من أفكار لم يكن أغلبها غائبا عن ذهني، ولكن عاد مرسل الرسالة لتنشيط هذه الأفكار وأهمية طرحها إلحاقا لذلك المقال، ونظرا لما تحمله من ثقل فكري، نقلتها لكم كما هي دون تصرف، وهي لا تحتاج مني إلى تعليق، لذا أترك التعليق لكم.
www.salmogren.net