تكثر هذه الأيام حملات المقاطعة التي ينتدبها المستهلكون لتكون صوتهم القوي لوقف حملات بعض التجار الشعواء لرفع أسعار بعض السلع وبالرغم من أنني لست اقتصادية ولا متخصصة في هذا المجال، ولكن أرى أن آخر حملات المقاطعة على شركات الألبان أخذت شكلا نوعيا جديدا فيما أراه القشة التي قصمت ظهر «المستهلك» ليطلق صرخات الأنين بقوة ويهجم كالأسد الجائع على فريسة كان يخاف منها لوقت طويل.
ما يتعرض له الناس من التجار والشركات أمر لايطاقكل ساعة يرتفع سعر منتج وكل دقيقة يتعرض ذوو الدخل المحدود لضغوط لا حدود لها. هل يفكر من يرفعون الأسعار بالمخاطر الكبيرة التي يُعرّضون فيها أنفسهم ومجتمعهم لمخاطر جشعهم هل يعلمون الأخطار المجتمعية الكبيرة التي سيكون هم أول المتضررين منها مع اتساع الفجوات بين الطبقات الاجتماعية وانحسار الطبقة الوسطى؟
لا أدري لماذا لا يستطيع بعض رجال الأعمال بمستشاريهم وخبرائهم النظر إلى أبعد من أرنبة أنوفهمولماذا يعيشون بعيدا عن واقع المجتمع الذي أرى أن صرخته بدأت تتحول لصوت واحد ضد كل من يحاول أن يتلاعب في الأسعار ويستغفل الجيوب دون رحمة لأرملة في الجنوب تعول سبعة أيتام من ضمان اجتماعي أو بحال شيخ في الشمال في رقبته عشرون نفسا تحتاج لغذاء ودواء وملبس ومشرب، أو مطلقة تعيش في الرياض أو ضواحيها لم تجد وظيفة تكفيها شر الحاجة، أو أسرة ذات دخل محدود يعولها رجل يحصل على دخل بالكاد يكفي لسد رمق أطفال أعياهم الفقر، أو حتى أسرة ذات دخل عالٍ لكنها ترفض هذا الاستغلال الجشع وتنظر للزيادة غير المبررة «انتقاصا» في حق المستهلك بشكل عام!
ألا يفكر هؤلاء بشاب عاطل يجول في الرياض أو جدة دون أن يجد قوت يومه وإلى ماذا سيتحول؟ متى سيفكر البعض بعين الرحمة إلى متى يفكرون بأرباح تصل إلى أضعافوإلى أين يريدون أن يصل حال المجتمع؟
ومن صنوف التلاعب التي تعرض لها كثيرون وتعرضت لها أنا شخصيا من الغش والتدليس في ضمان الأجهزة والبضائع وما أكثر ما سمعت كلمة «هالخراب ما يشمله الضمان»ولا تستطيع أن تأخذ منهم حقا أو باطلا، إذ إن وقت شراء السلعة يعطيك البائع الوعود الضمانية وبعد الشراء علق كلمة (انس) وفي هذه الحالة لمن تلجأ؟ وعيب عليك أن تزعج منام سيادة حماية المستهلك!
أعود لموضوع المقاطعة فهذا السلاح الذي استخدمه المستهلكون بقوة خلال الأيام الفائتة بالتأكيد سيرعب كل ساكن في برجه العاجي غير آبه بالآخرين معتقداً بأن سلبيتهم ستنجيه. بصراحة، ما حدث من وقفة جادة وتكاتف على كافة المستويات وجميع الأصعدة سيجعل كل من تسول له نفسه التلاعب بالأسعار أن يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ هذه الخطوة. ونجاح المقاطعة في أيام محدودة هو برهان على أن هذا المجتمع واعي ولا يقبل أي عملية استغلال أو ابتزاز، وبمثل هكذا مجتمع تنمو الأوطان.. وتقبل الله منا ومنكم صيام شهر الغفران.
www.salmogren.net