هيئته ومظهره يوحيان للوهلة الأولى بالوقار، ويحق لك أن تصنّفه من ذوي القدر الاجتماعي، سيارته ليست بالفارهة غير أنها تلفت العين، الموقع حي الصحافة بالرياض، أشار لي بيده بعد أن أوقفت سيارتي قرب المكان الذي قصدته واقتربت منه وأنا أخمن أحد أمرين فإما انه سيعاتبني جرّاء نظراتي له ضمن آخرين بسبب ما فعله قبل قليل عند إشارة المرور حينما تجاوز الضّوء الأحمر (قطع الإشارة) وأربك عدداً من قائدي المركبات، وكاد أن يتسبب في ارتطامات مؤلمة لكن الله سلّم، وعبر هو غير آبه بما فعل، والاحتمال الثاني أنه سيعتذر عما بدر منه، وكان الاحتمال الأضعف عندي على ضوء ما شاهدته من سوء فعله الذي ينبئ عن مخبر غير متوازن رغم الهيئة والسيارة المليحة، رحّبت به فطلب مني إرشاده لموقع يقصده ليس ببعيد، فبادرته بأدب بالسؤال الاستنكاري عن فعلته عند إشارة المرور؟ فأجاب مبتسماً بثقة : وما المشكلة ؟ قلت : النظام والذّوق وأرواح الناس وممتلكاتهم ؟! فلم يمهلني لمزيد من الاستطراد وكأنه يسكتني بقوله : (يعني حنا ما ندفع قيمة المخالفة، وإذا صار شي أنا أتحمله)، حللوا الجملة ففيها (حنا، ندفع، إذا صار، أتحمله)، ذهبت صورته الوقورة من عيني، وتحوّل منظره إلى شبه حيوان دوني مع احترامي للحيوان، فالله الذي خلقه بتلك الصورة وذاك المستوى من الإدراك، فهو يعمل على شاكلته وسجيّته، إنما المصيبة في من يفترض أنه إنسان عاقل مكلّف يلتزم بالأنظمة والقوانين والأعراف ومصالح المجموع، وأنه لا يعيش في عالم خاص به منفرداً حتى يتصرف كما يحلو له ويرغب، فهو محكوم بما يطبّق على الجميع لمصلحة العموم، ثم تأمّلوا كلماته التي لا تصدر إلاّ من صفيق أحمق، وان الهيئة والمظهر والممتلكات التي تقتنى بالمال لا تبرهن دائماً على مخبر وعقل راجح، قال نحن ندفع إذا خالفنا نظام المرور وأنه يتحمل تبعات ما يصدر عنه من مخالفات، وكأنّ المسألة بيع وشراء بينه وبين جهة الاختصاص التي تمثل هرم النظام، وأنه يدفع فاتورة العبث والتهوّر كما يدفع ثمن ثرثرته بهاتفه النقّال مثلاً (الأمران متساويان عنده)، وحينما يقتل إنساناً أو يتلف سيارته فهو كما يزعم، سيتحمل التكاليف والتعويضات، وكأنّ القضية عنده (كشتة) أو حفلة يتبرع بتحمل تكاليفها للشباب، فهو كما يُقال، (بطران) ويقيس الأمور ويتعامل مع البشر والأنظمة حسب رقم رصيده بالبنك، ويشعر أنّ الناس يعرضون حياتهم وصحتهم بالمزاد أمامه وأمثاله مضامري العقول، ناقصي المواطنة، حديثي العهد بالغنى والمال، فرحين بما آتاهم الله من نعم لم يراعوا حقها، حتى في الغرب يسمّونهم (الأثرياء الجدد)، لكن إذا كان أمثال هؤلاء كثراً فمن يوقف تكاثرهم ومن بمقدوره أن يلقّنهم دروساً تصحح مفاهيمهم، ومن سيضمن أنهم سينصاعون للدروس وإن قبلوا فهل سيفهمون الدرس ؟!