في موكب جنائزي مهيب، ودعت مدينة البكيرية - قبل أيام - فقيدها - الفريق أول متقاعد - عبد الله بن راشد البصيلي، والذي يُعتبر أحد أبرز رجال الخير، من الذين يندر أن يجود الزمان بمثلهم. ويكفي أنه وهب نفسه؛ لبذل الخير، حيث لا تزال ذكراه العطرة، ماثلة في النفوس المحبة للخير.
كان يحمل همّا كبيرا في خدمة الأيتام، والأرامل، والمساكين - قولا وعملا -، دون ملل، أو فتور، أو تصنع . فتنوعت مشاريعه الخيرية ذات الطابع الإنساني، والخيري، والتي عمّت أرجاء بلادنا، وبلاد العالم العربي، والإسلامي، وتراوحت هذه المشاريع ما بين: مراكز خيرية، ومراكز التأهيل الشامل، ووحدات غسيل الكلى، وإنشاء مستشفيات جديدة، وتطوير، وتوسعة مستشفيات قائمة، - إضافة - إلى بناء عدد من المساجد بالدول العربية، والإسلامية، والتي بلغت 322 مسجداً، وبناء أكثر من 52 داراً للأيتام.
كنا ولا زلنا، نحتاج إلى تلك الجهود التطوعية في ظل غياب مفهوم: «المسؤولية الاجتماعية» في مجتمعنا، لا سيما أنها تقتضي الذهاب إلى أبعد مما يطالب به النظام؛ من أجل المساهمة في الصالح العام للمجتمع، حتى ينعم بالازدهار، والنمو الاجتماعي للأجيال القادمة، والسير نحو قضايا مهمة، تشكل منعطفا حقيقيا في الحراك الاجتماعي النهضوي، والتنموي بمختلف تطبيقاته الفعلية على أرض الواقع ؛ لإحداث التغيير الإيجابي. خاصة بعد أن تردد في الآونة الأخيرة على مسامعنا، عبارة: «المسؤولية الاجتماعية»، وهي تعني: دور الأفراد، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والتشريعات الحكومية في المساهمة في عملية التنمية المستدامة، من خلال غرز القيم الأخلاقية، والإنسانية في المجتمع، والمساهمة في تحسين قطاعات مختلفة، مثل : التعليم، والصحة، والبيئة.
عُرف في آخر حياته بقلة الكلام، وكثرة العمل، لا لشيء، وإنما ؛ ليسكب حبه للناس. ويترجم من خلالها حكايات نابضة بالحياة؛ لتبقى منارة شامخة، يذكره الناس عندها طويلا، حين نُترجم مواقفه العملية بمعناها الحقيقي، تلمسا لها في الواقع المحسوس.
لقد عجزت أن أنتقي كلمات وفاء في حق الفقيد، فأصدق ما يقوله الإنسان، هو كلمة الرثاء. إلا أننا سنودع الماضي بلا أمل للعودة، وستصعب الكتابة عن وصف جنازة تشبه العرس، غادرت دنيانا الفانية إلى دار الخلد، والاستقرار الأبدي. فما أقسى القلم وهو يرثي قمراً، بانت أسنانه اللؤلؤ، بعد أن كان ملء السمع، والبصر. وسأقول لك أيها الشيخ البار: اذهب حميداً، فلك من ذكرى الحياة خير عزاء. وهي أجمل هدية نقدمها لأنفسنا، عندما نعقل سنة الكون في الاجتماع، والافتراق. فرحمك الله ما هبت النسائم، وما ناحت على الأيك الحمائم، وأسكنك فسيح جنانه، وحشرك الله مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
drsasq@gmail.com