|
الجزيرة - ماجد إبراهيم - القاهرة - مكتب الجزيرة - وكالات :
تفاعل سوق الأسهم السعودي بسرعة كبيرة مع خفض التصنيف الائتماني لأمريكا لأول مرة في التاريخ، وأغلق السوق في أول أيام التداول بعد إصدار القرار عند 6075 نقطة بنسبة انخفاض 5.42 % بعد أن سجل انخفاضاً في نفس اليوم وصل إلى 6024 نقطة، ردة الفعل الأولى للسوق المحلية من خلال سوق الأسهم، يرى اقتصاديون بأنها البداية فقط، وبأن آثار مثل هذا القرار ليست إلا تصوراً مبدئياً لما قد تخلفه مشكلة الدين الأمريكي المتضخم بشكل عام على الأسواق المحلية والعالمية.
الاقتصادي محمد العنقري يؤكد على أن الأسواق المالية عادة ما تعكس حالة الخوف والذعر وهي تقرأ المخاطر من عودة الركود للاقتصاد الأمريكي، وبالتالي العالمي كون تكلفة الإقراض على أمريكا سترتفع وهذا يرهق ميزان مدفوعاتها ويستمر العجز لديها، وانعكاس ذلك على اقتصاديات المملكة يتركز باحتمال قوي بانخفاض أسعار النفط وبالتالي إيرادات الدولة، ونحن نعلم أن النفط تشكل عوائده قرابة 90 بالمائة من الإيرادات العامة، وهذا يعني احتمال اللجوء إلى الاحتياطات في حال تطلب ذلك سداد أي عجز محتمل بالميزانية ليس لهذا العام فقط بل لأعوام قادمة إذا ما كان أي ركود قادم سيظل طويلا، كما سينعكس أي تراجع في الاقتصاد العالمي على شركات التصدير المحلية والبتروكيمياويات على رأسها، وهذا يعني احتمالية انخفاض أرباح السوق المالي وبالتالي فهناك عودة لحساب معدل المخاطرة بالسوق من جديد.
أما فيما يتعلق باستثمارات المملكة في سوق السندات الأمريكي يضيف العنقري: «في السابق كان يُنظر لاستثمارات المملكة الخارجية بسوق السندات والدين الأمريكي بأنها معدومة المخاطر، لكن الوضع سيختلف الآن بعد أن باتت تحمل قليلاً من المخاطرة، ما سيؤثر على التصنيف الائتماني للمملكة الذي يأخذ في الاعتبار له أين تكمن استثماراتها الرسمية وعندما تحمل استثماراتها أي درجة من المخاطرة فهذا يؤثر على التصنيف الائتماني بشكل عام وإن كان بنسب بسيطة أو قليلة حاليا، مشيراً إلى أن الأسواق بشكل عام تأخذ بعين الاعتبار المخاطرة المحتملة بعد سنوات وليس الآن فقط، كما أن أي تغيير بتصنيف سيادي لدول الخليج أو شركاتها الكبرى يعني ارتفاع تكلفة الدين عليها وهذا يقلص من حجم الإنفاق الاستثماري والتأثير على معدلات النمو الاقتصادي المخطط لها».
وعن التداعيات الأخرى لهذا القرار، يؤكد العنقري أن انخفاض التصنيف للولايات المتحدة يؤثر على قيمة الدولار وقوته، وبالتالي كون المملكة وجل دول الخليج تربط عملاتها بالدولار فإن القوة الشرائية لعملاتها عند مستويات التقييم الحالي مقابل الدولار تنخفض وهذا يعزز من ارتفاع التضخم مستقبلاً.
من جهة أخرى تسارعت ردود الأفعال على القرار الذي أصدرته وكالة ستاندرد آند بورز (SالجزيرةP) مساء أول من أمس الجمعة، بخفض التصنيف الائتماني لأمريكا درجة واحدة من «AAA» إلى «+AA» للمرة الأولى في تاريخ الاقتصاد الأمريكي، حيث بررت الوكالة هذا الإجراء بالمخاطر السياسية التي لم يكن قرار رفع سقف الدين الأمريكي مؤخراً كافياً لتفاديها من وجهة نظر الوكالة التي ترى أن هذه الإجراءات غير كافية لمواجهة عجز الموازنة الفيدرالية، ستاندرد آند بورز لم تكتف بالتصنيف الجديد، بل أرفقت معه توقعات «سلبية» لمستقبل الاقتصاد الأمريكي ما يعني أنها تعتقد أن التغيير القادم الذي سيطرأ على هذا التصنيف سيأتي بالسلب، وسيتم خفض علامة الدين الأمريكي مجدداً، وجاءت أسواق الأسهم العالمية في مقدمة المتضررين من هذا القرار، الذي يرى البعض بأنه لن يكون ذو تأثير كبير على المستثمرين في السندات الأمريكية على المدى الطويل، وسيقتصر ضرره في هذه المرحلة على المضاربين في الأسهم والمستثمرين على المدى القصير.
الكاتب الاقتصادي صلاح الدين خاشقجي يميل إلى هذه النظرة، ويؤكد أن التخفيض الذي قامت به (SالجزيرةP) ليس ذي بال، مؤكداً أن المسألة مازالت مجرد معركة سياسية، ويضيف خاشقجي في حديثه لـ»الجزيرة» أن الوكالة صاحبة التصنيف كانت تتوقع اتفاقاً لصالح الجمهوريين أكثر من الديموقراطيين في مسألة رفع سقف الدين الأمريكي التي حُسمت الأسبوع الماضي، مؤكداً أن مثل هذا القرار يأتي لتأليب رجال الأعمال في وول ستريت على إدارة الرئيس أوباما، والإيحاء لهم بأنه لم يستطع إقناع الجمهوريين بالاتفاق على مبلغ يستطيع فعلياً تجنيب الاقتصاد الأمريكي الكارثة القادمة والتي يتنبأ بها الكثير من المراقبين الذين يرون بأن رفع سقف الدين الأمريكي ليس إلا تأجيلاً لهذا الانهيار.
عربياً أكد مصطفى النشرتي خبير الاقتصاد الدولي ووكيل كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أن انخفاض التصنيف الائتماني لأمريكا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية لأذون وسندات الخزانة الأمريكية بنسبة لا تقل عن 10% إن لم يكن أكثر من ذلك، إن البنوك في مصر ستنزف ما لا يقل عن مليار جنيه تأثراً بهذا القرار، وذلك لأن حوالي 25% من حجم ودائع المصريين في البنوك قد تم توظيفه في أذون وسندات الخزانة الأمريكية.
أما عالمياً فشدد اقتصاديون صينيون على أن تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا يشكل خطراً كبيراً على الأسواق المالية، وتوقعوا أن تدفع الصين أكبر حائزة في العالم لسندات الخزانة الأمريكية إلى التعجيل بتنويع سنداتها، وقال لي جيه مدير معهد أبحاث الاحتياطي في جامعة المال والاقتصاد المركزية: «ستكون هناك فوضى في الأسواق المالية العالمية على المدى القريب على الأقل، وأكبر تأثير مباشر بالنسبة للصين سيكون التأثير على احتياطياتها، وستهبط قيمة استثمارات الصين الدولارية بكل تأكيد».
وكانت الصين قد حثت واشنطن الأسبوع الماضي على العمل بشكل يتسم بالمسؤولية لمعالجة قضايا ديونها قائلة إن الغموض في سوق سندات الخزانة الأمريكية سيقوض النظام النقدي العالمي، وحثت بكين واشنطن مراراً على حماية استثماراتها الدولارية التي قدر محللون بأنها تشكل نحو ثلثي احتياطياتها من الصرف الأجنبي والتي تبلغ 3.2 تريليون دولار وهي أكبر احتياطيات في العالم.
من جهته قال دينج يفان نائب مدير مركز أبحاث التنمية: إن القرار ربما يدفع أمريكا إلى تخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر مما يثير مزيداً من الغموض في الأسواق العالمية، وأضاف دينج أن فرصة قيام الولايات المتحدة بجولة أخرى من التخفيف الكمي تتزايد لأن المستثمرين الخارجيين ربما يحاولون تفادي الأصول الدولارية مما لا يترك أمام مجلس الاحتياطي الاتحادي أي خيار سوى شراء سنداته الخاصة مشيراً إلى أنه إذا طبقت أمريكا فعلاً التخفيف النقدي فإنها ستضيف دون شك مزيداً من الغموض للاقتصاد العالمي وقد ترفع أسعار السلع الأولية عالمياً.
الحكومة الأمريكية لم تصمت بدورها إزاء هذا التصنيف، حيث اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية وكالة ستاندرد آن بورز للتصنيف الائتماني (SالجزيرةP) بأنها أخطأت في حساباتها بألفي مليار دولار (2 تريليون) في توقعات الموازنة التي استندت إليها لخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وقال متحدث باسم الوزارة إن تصنيفاً مشوباً بخطأ قدره ألفا مليار دولار يتحدث عن نفسه بنفسه!