انهيار أسواق العالم وخسارة أغلبها لأكثر من ألفين وخمسمائة مليار دولار في ظرف ثلاثة أيام بنهاية الأسبوع المنصرم لم يكن إلا رداً على قيادات الاقتصاد العالمي حاليا في أوروبا وأميركا على حد سواء فالساسة هناك في أكبر مناطق العالم اقتصاديا حيث تشكلان أكثر من 50 بالمائة من اقتصاد العالم لم يتعاطوا إلى الآن مع حقيقة الأزمة المالية العالمية بما يكفل عدم بروز ثغرات عميقة في الحلول التي يقدمونها على مدار ثلاث سنوات مضت فمشكلة الدين الأمريكي التي عاش العالم أوقاتا صعبة للغاية إلى أن تم الاتفاق بين قطبي الحكم في أميركا على رفعه في آخر لحظة على غرار أفلام هوليود إلا أن الآثار التي خلفتها طريقة التفاوض بين الساسة الأمريكان على هذه النقطة الحساسة للعالم وليس لأميركا وحدها شكلت خيبة أمل لدى الجميع فلم تكن بنهاية المطاف إلا اتفاق على ما كل ما كان يطرحه الطرفان بل إن المشكلة هي عدم وضوح بعض تفاصيل الخطة مما اعتبرته وكالة التصنيف الائتماني ستاندر أند بورز مؤشراً سلبياً أجبرها على خفض التصنيف الائتماني لأميركا لأول مرة بالتاريخ منذ العام 1917م ورغم أن التصنيف بقي قويا واتفقت وكالات أخرى على بقائه عند درجته الكاملة كموديز وفيتش لكن الأهم أن هناك تحركا في مياه راكدة منذ قرن حدث لأميركا ولم يعد هناك ميزة تفرقها عن غيرها في مجل إعادة التقييم الاقتصادي التي تخضع لها كل الدول بينما استمرت أميركا بوضع مييز قرنا كاملا ولو نظر المشرعون الأمريكيون إلى مصلحة اقتصادهم ومصلحة العالم الذي أقرضهم أربعة ترليونات دولار لوحده من مجمل حجم ديونهم الباهظ لما وصلت الأمور والأحوال الاقتصادية إلى هذه الحالة من الهلع الكبير فمن يتحمل تلك الضربة القوية التي نالتها أسواق المال بالوقت الحالي؟ أليس هؤلاء الساسة الذين كانوا يوافقون للحكومة الأمريكية السابقة على رفع سقف الدين دون كل هذا النقاش الذي دار بوقت أحوج إلى مزيد من المرونة وليس التشدد، أليست قيادة الجمهوريين لأميركا خلال حكم بوش الابن أضافت 6.5 ترليون دولار في ثمان سنوات إلى الدين العام الأمريكي فلماذا يأتي من يتحملون وزر الدين وزيادته الأخيرة إلى النظر لتحقيق مكاسب سياسية لاحقا قد تأتي وقد تفشل بالوقت الذي يساهمون بضغط إضافي على اقتصاد العالم وأميركا على حد سواء من خلال تشددهم الأخير في مفاوضات رفع سقف الدين معرضين العالم لكارثة اقتصادية.
ولكن العالم أعتقد تعلم كثيرا مما جرى بأميركا وسيتحول إلى تنويع احتياطاته على حساب الدولار خلال السنوات العشر القادمة بوتيرة متسارعة كأهم وأكبر خسارة ستتعرض لها أميركا بعد هذه الأزمة المالية العالمية وهي التي طالما راهنت على قوة دولارها وأثره العميق عالميا كعملة احتياط أولى ورئيسة وليس لها منافس.
أما في أوروبا فما حصل أيضا من إعادة تفجر أزمة الديون السيادية ولكن هذه المرة بدول كبرى اقتصاديا إيطاليا وإسبانيا فقد برزت تصريحات متضاربة في البيت الأوربي فمسؤول بالمفوضية الأوربية للشؤون الاقتصادية يقول يجب أن تتكاتف الجهود لحل الأزمة وبالوقت نفسه يرفض البنك المركزي الأوربي أي تدخل بالوقت الحالي لشراء السندات الإيطالية والإسبانية حتى أن وزير الاقتصاد الإيطالي عرض على مجموعات آسيوية أن تشتري سندات دولته فردوا بأن بنككم المركزي لم يشتريها فكيف نقبل نحن على شرائها؟ فهذه التصريحات أو القرارات الغير المسؤولة وطريقة التناقض بين من يطالب برفع حجم صندوق الإنقاذ المالي لدول أوروبا وبين من يرفض ذلك بحجة عدم الحاجة تبرز الخلافات على السطح الأوربي معبرة عن ضعف الإدارة الاقتصادية للأزمة هناك والتباين الواضح بين قادة الدول حول سبل الحل ولا يوجد حل واضح بالأفق فصندوق الإنقاذ الأوربي وعلى لسان مسؤوليه هو غير جاهز ولم يضع بالحسبان أي مشكلة قد تواجه دول كبرى اقتصاديا وهذه مفارقة غريبة فمنذ فترة طويلة جداً يدور الحديث عن احتمالية تعثر إيطاليا وإسبانيا فلماذا لم يوضع بالحسبان تقدير الوقت وحجم الصندوق لكي يكون جاهزاً لهذه اللحظات الحرجة التي تعيشها الأسواق المالية حاليا.
من الواضح أن هناك خللاً كبيراً ترافق مع الأزمة المالية العالمية منذ العام 2008 إلى الآن ويبدو تحقيق المكاسب السياسة يسيطر على أي جانب آخر في كل ما تم التخطيط له والتحرك على أساسه لإنقاذ الاقتصاد العالمي والدليل أن العالم يستقبل كل سنة أزمة من نوع مختلف مرتبطة بحل لأزمة سبقتها.