|
المدينة المنورة - مروان عمر قصاص
«منبر الخطبة» من المعالم البارزة في المسجد النبوي الشريف، واكتسب أهميته بعد أن قام عليه رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - يخطب حيث اتخذه منبرا في السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة، ووضع في الجانب الغربي من مصلاه، وكان من الطرفاء (الأثل).
ومر المنبر الشريف عبر تاريخه بمراحل عدة يمكن إيجازها فيما يلي.
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين كان المنبر مكوناً من ثلاث درجات، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أشبار وشيء، ومجلسه ذراع في ذراع، وارتفاعه ذراعان، له رمانتان ارتفاع الواحدة نصف ذراع.
وظل المنبر على حاله حتى زاد فيه مروان بن الحكم عامل معاوية -رضي الله عنه- على المدينة ست درجات من أسفله، فصار تسع درجات، يقف الخلفاء على الدرجة السابعة، وهي الأولى من المنبر الشريف.
واستمر المنبر على هذه الحال حتى عام 654هـ، حيث احترق المسجد النبوي فاحترق باحتراقه المنبر، فأرسل المظفر ملك اليمن منبراً جديداً من الصندل، له رمانتان، فنصب في موضع المنبر النبوي الشريف.
وفي سنة 664هـ أرسل السلطان الظاهر بيبرس البندقداري منبراً جديداً بتسع درجات، له باب بمصراعين، في كل مصراع رمانة من فضة، كتب على الجانب الأيسر منه اسم صانعه، فنصب موضع المنبر السابق، وخطب عليه حتى عام 797هـ.
وفي العام نفسه ظهرت في المنبر آثار الأرضة، فأرسل الملك الظاهر برقوق منبراً جديداً استمر حتى عام 820هـ.
ثم أرسل السلطان المؤيد شيخ منبراً آخر بثماني درجات بعدها مجلس، ارتفاعه ذراع ونصف، له قبة يعلوها هلال، وبابه بمصراعين، فحل محله.
وفي عام 886هـ احترق المسجد النبوي الشريف، واحترق معه المنبر، فبنى أهل المدينة منبراً من الآجر، طلوه بالنورة والجير.
ثم أرسل السلطان الأشرف قايتباي منبراً من الرخام الأبيض، حرص السيد السمهودي أن يضعه موضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم تحديداً، فلم يوافق متولي العمارة، فوضع مقدماً إلى القبلة عشرين قيراطاً، وزحف إلى الروضة ثلاثة قراريط (خمسة أصابع).
وفي عام 998هـ أرسل السلطان مراد العثماني منبراً جديداً وضع موضع منبر قايتباي ونقل منبر قايتباي إلى مسجد قباء وبقي فيه حتى عام 1408هـ حيث التوسعة الكبرى لمسجد قباء، فاحتفظ به في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة.
أما منبر السلطان مراد فقد صنع من المرمر النقي، وهو غاية في الجمال ودقة الصناعة، يتكون من اثنتي عشرة درجة، ثلاث خارج الباب، وتسع داخله، تعلوه قبة هرمية لطيفة، محمولة على أربعة أعمدة مضلعة رشيقة من المرمر، وبابه من الخشب القرو يتكون من مصراعين مزخرفين بزخارف هندسية إسلامية، مدهون باللون اللوزي الجميل وفوقه شرفات هن آية في الروعة، كتب في الوسط (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وقد اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بهذا المنبر، وشملته بالرعاية والعناية المستمرة، وتقوم بطلائه بماء الذهب كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ووضعت عليه ورقاً شفافاً لحمايته من اللمس حفاظاً عليه، وليبقى شاهداً على دقة الفن الإسلامي وأحد أعاجيبه الباقية.