استفتاء بسيط بدافع الفضول أطلق الشرارة الأولى لهذه الدراسة الأولية، وولد دافعاً ملحاً للكتابة عنها، وجهت سؤالين شفويين خلال نقاش في مجلس ضم عشرين شخصاً من أصحاب الدرجات الجامعية ومن لهم اهتمام بالعمل التطوعي هما:
1) هل لك اتصال مباشر مع مجلس الشورى ممثلاً بأعضائه ولجانه والقضايا التي ينظر فيها سواء بادرت أنت بالاتصال مباشرةً أو بادرك المجلس أو إحدى اللجان والأجهزة العاملة معه بالاتصال بأي صورة من الصور؟
2) هل تعرف أن لمجلس الشورى موقع على الشبكة المعلوماتية العالمية (الإنترنت)؟
ودعونا نزيدكم شوقاً بتأجيل ذكر نتيجة هذا الاستفتاء إلى النهاية، ونمهد للموضوع بالنظر إلى زاوية أخرى تتعلق بالمسافة بين مجلس الشورى نظاماً وتطبيقاً وصوت المواطن المباشر الذي يعكس همومه الكبرى، وحاجاته، وتطلعاته بما يناسب مستوى عمل المجلس.
لإعطاء صورة حيادية قدر الإمكان عن هذه الزاوية لم نرض بمصدر للمعلومات غير الموقع الرسمي للمجلس على الإنترنت، وابتدأت هذه الدراسة الأولية بالبحث داخل الموقع عن مفردات بسيطة ذات علاقة، مثل كلمة: المواطن، فوجدنا 108 مرة ذكرت فيها هذه المفردة. ويبين الاستقراء السريع لنتيجة البحث أن أغلب ما ذكر في الموقع عن كلمة المواطن لا يمثل صوته المباشر، إذ تذكر هذه المفردة مقترنة ومضافة إلى كلمات مثل: مصلحة وهم ودور وحق وشأن تطلعات وثقافة وحياة وأوضاع وخدمة وخير وتوعية وسكن وشعور ومعيشة...، ولم تشر نتيجة البحث إلى وجود آلية واضحة وفاعلة للتواصل المباشر بين المواطن والمجلس. وهذا أمر مقلق ولكنه شحذ الهمة للمزيد من البحث في الموقع.
من الإنصاف أن نذكر أن نتيجة البحث مع غياب الصوت المباشر للمواطن حوت إشارات محدودة تفيد وجود اهتمام إيجابي داخل المجلس بهذه الزاوية، فنجد عناوين قليلة جداً مثل: الحاجة إلى آليات أفضل للتواصل مع المواطن، وتصحيح التصور عن دور المجلس، والفجوة بين المجلس والشارع. وحاولنا البحث عن عبارة «التواصل بين المجلس والمواطن» واضعين هذه العبارة بين علامات التنصيص لجعل البحث أكثر دقة، فوجدناها ذكرت مرة واحدة فقط، وعندما بحثنا عن العبارة نفسها - بدون علامات التنصيص- وجدنا 31 ذكراً لكلمات هذه العبارة، ومنها إشارة واحدة فقط لأمر التواصل مع عدم ذكر آليات محددة لتفعيله.
لعل بعض الانطباعات والإيحاءات الأولية قد بدأت تتكون في أذهاننا عن هذه الزاوية لتفيد بأن الصوت المباشر للمواطن شبه غائب أو غير واضح في الموقع الإلكتروني للمجلس. وهذا قد ينذر بحلقة مفقودة، ولعلها من أهم الحلقات، فالمواطن من منظور علم التسويق (marketing) هو العميل (الزبون) المقصود والمستهدف من كل خدمات المجلس، وغياب صوته المباشر في الموقع، وعدم وجود آليات واضحة للتواصل معه يعتبر خللاً كبيراً لا بد من استدراكه وعلاجه، لكي يكسب المجلس الموقر ثقة العميل الذي يهتم بخدمته والسعي في شؤونه.
ولقطع هذا الشك باليقين، وعدم الجزم المبكر بهذه الحلقة المفقودة واصلنا البحث داخل الموقع عن آليات للتواصل مع الموطن، وسعدنا برؤيتنا لما يوحي بوجود هذه الآلية تحت عنوان ذكر في أدني قائمة المواضيع هو: تقديم عريضة، ولكن سرعان ما عادت كفة الشك للرجحان، فعندما بحثنا عن مفردة: عريضة لم نجد إلا ذكراً واحداً ووحيداً لعريضة وردت من مواطن اسمه سليمان بن عبد الله.... حول مقترح لتعديل أوقات العمل الرسمي.
إن هذا الأمر جد محير، وإن صح فإنه مقلق، وأنقذني من هذه الحيرة فكرة أخرى للبحث عن عدد العرائض المقدمة تحت قسم الإحصائيات بالموقع، فدخلت إليه بتفاؤل جديد ويا للحسرة، فلقد وجدت الإحصائيات المذكورة لا تتعدى ذكر عدد الجلسات، والقرارات الصادرة عن المجلس في كل دورة من دوراته. وحتى لا نستعجل الحكم بخطأ غياب معلومات وإحصائيات العرائض أجرينا بحثاً سريعاً ومماثلاً في موقع مجلس الأمة بالكويت الشقيقة، فوجدنا معلومات وإحصائيات أكثر دقة وتفصيلاً عن العرائض مصنفة إلى ما تم النظر فيه، وما لم يزل تحت النظر.
وأخبرني من أثق به أنه قدم عريضة من خلال موقع مجلس الشورى، فلم يعط رقماً للمتابعة، ولم يتصل به أحد بخصوصها على الرغم من مضي عدة أشهر من تقديمها.
من المسلم به لدى الباحث أن أسلوب هذا البحث ابتدائي جداً، وغير دقيق، ونتائجه ليست محكمة، فهو يعتمد على المعلومات المدرجة في الموقع الإلكتروني للمجلس فقط، وحتى تكون نتائج البحث- مع عمومها- معتمدة وذات دلالات منهجية فإنه لابد من افتراض اكتمال جاهزية هذا الموقع من ناحية التصميم، وإدخال البيانات اللازمة، وتصنيفها تصنيفاً معقولاً. وهذه الفرضية لا تستبعد الآن لعدم وجود ما يدل صراحة على خلافها مثل تحذير أو تنبيه مستعمل الموقع بأنه غير كامل ولا يزال تحت الإنشاء والتطوير.
في كل الأحوال فإن هذه الدراسة الابتدائية وغير الدقيقة المذكورة أعلاه تشير إشارات عامة وقوية إلى وجود خلل ونقص قد يكون مرجعه إلى تصميم الموقع الإلكتروني للمجلس، أو إلى سبب آخر أكثر خطورة هو الأنموذج الفكري العام للمجلس. ولمعرفة السبب الحقيقي لهذا الخلل الملحوظ نحتاج إلى دراسة منهجية أكثر إفاضة وعمقاً، يدعمها اتصال مباشر مع المجلس للاستفسار والتعلم.
في خاتمة هذه الدراسة نفي بالوعد الذي ألزمنا به أنفسنا بذكر نتائج الاستفتاء البسيط المذكور في أول البحث، أجاب تسعة عشر بالنفي على السؤالين، أي أنهم لم يتصلوا بالمجلس أو يتصل المجلس بهم، وفي ذات الوقت فهم لا يعرفون يقيناً بوجود موقع الكتروني للمجلس، وأجاب شخص واحد فقط جمعتني الأقدار به- من غير سابق معرفة- بأن المجلس اتصل به بناء على تزكية عضو نجيب من أعضاء المجلس يمتاز بقربه من هموم الناس، وتلا هذه التزكية دعوته لزيارة مجلس الشورى للتحدث عن خبراته في مجال العمل التطوعي في مدينته.
إن الهدف من هذه الدراسة مع بساطتها هو الرغبة الحقيقية في المشاركة في هذا الصرح الحضاري الذي لا تنكر جهوده، والذي نحب رقيه ونسعي لإكمال الحلقات التواصلية اللازمة لإيصال صوت المواطن وتطلعاته مباشرة إلى المجلس، أو عن طريق أجهزة أو جهات أخرى ذات صلة بالمجلس مثل المجالس البلدية التي يعتقد الكثير أنها ما زالت تراوح في مكانها بلا جهد يبذل أو ثمرة تجني، ونتمنى على الله أن يكون هذا الصوت هو أقوى المحركات الدافعة لأنشطة المجلس الموقر وقراراته إلى المزيد من التطوير والتحسين عن طريق البحوث اللازمة، والإفادة من خبرات الشعوب الأخرى في المجالس البلدية والبرلمانية التي لا بد أن نتعلم منها أن الغاية المثلى لكل هذه الجهود هي بذل وإعطاء خدمة أفضل وأرقي للعميل، والعميل ليس كما قد يتوهمه البعض في البحوث واللجان والجلسات والقرارات والتصريحات الإعلامية والامتيازات، بل هو من يعرفه الجميع وينساه الكثير، إنه ذلك المواطن البسيط الذي يتطلع لحقه المشروع في حياة كريمة، وحاضر مزدهر، وأنظمة منصفة وشفافة، وغد مشرق له ولأبنائه في وطن يبادله الحب والاحترام.