يحصل في بعض الأحيان توافق في اتجاه فكرة شاعر فصيح وشاعر عامي، وكأنما هما يقفان موقفاً واحداً في الظرف الذي أملى على كل واحد منهما ترجمة مشاعره المؤسفة التي تفيض أسىً على الواقع الذي انتهى به زمنه إليه، فأصبح في محطة يصعب عليه، بل من المستحيل أن يتجاوزها ويواصل السير إلى غيرها، لكنه من نافذة تلك المحطة ينظر بعين بؤس ويأس معاً، فهو ودهره كالراحل وناقته التي انقطعت به في مكان لا يمكن تجاوزه لغيره ولا الرجوع منه إلى ما خلفه ووراء ظهره ولم يبق له إلا التشكي لكل من مرَّ به، معلناً في تشكيه ملله من موقفه، إذ لا حيلة له في الخلاص منه، ولا وصْفَ له إلا أنه واقع مرُّ أُجبر على معايشته وهذه الحالة مرَّ بها بعض الشعراء المعمرين ورسموا لنا صورة تترجم واقعهم الذي نقلهم إليه تتابع عقود أعمارهم وأوقعهم في سأم من الحياة.
يقول الشاعر العامي وهو سليان بن مشاري العلي الناصري من أهالي الداخلة بسدير مخاطباً شخصاً يدعى موسى، قد زاره في المستشفى أثناء مرضه الذي توفى فيه وذلك في عام 1395هـ.
يا موسى لا تسأل عنِّي
ملِّيت منهم وملوا مني
ووجدت في الشعر الفصيح ما هو مطابقُ له.
وهو قول الشاعر أوس بن ربيعة بن كعب بن أمية الأسلمي، الذي يقال أنه عاش 214 سنة وأنه قال في ذلك قصيدة منها قوله وهو الشاهد:
لقد خُلّفتُ حتى ملِّ أهلي
ثوائي فيهمُ وسئمت عمري