|
في إطار العرض الذي قدّمه مارك فانتريسكا في مؤتمر «تيد أوكسبرديج» (TEDxOxbridge) في حزيران (يونيو)، طلب هذا الأخير من جمهوره إعادة التفكير بفكرة صاحب المشروع الجديد. ويعتقد في هذا الإطار أننا نعتمد بكثرة النموذج «البطولي» الذي يرى بأنّ أصحاب المشاريع الجديدة يخاطرون حيث غيرهم يرفض المخاطرة، محررين أنفسهم من قيود التقليد.
ويفضل فانتريسكا، وهو أستاذ في كلية الأعمال في جامعة «أوكسفورد»، اعتبار أصحاب المشاريع الجديدة بناة أنظمة ممن يستحدثون المؤسسات عن طريق «حشد مجالات مختلفة والربط فيما بينها والإشراف عليها». وبحسب فانتريسكا، فإنّ جهاز «آيبود» ليس اختراعاً بقدر ما هو خليط لامع من الأفكار والابتكارات الموجودة أصلاً.
أعتقد بأنّ هذا الأمر يحجب ميزات صاحب المشروع الجديد الأكثر إثارةً للاهتمام. فأعمال الابتكار الفعلية هي أكثر من مجرد أعمال جمع، كونها تجبر صاحب المشروع الجديد على مغادرة كبسولة الممارسات والنظريات السائدة – ومن ثم العودة إليها. وهذا الأمر في أغلب الأحيان غير مسلٍّ أو حتى مدرٍّ للأرباح.
تلك نسخة مختلفة وأكثر صلةً بعلم الانثروبولوجيا للنموذج التقليدي الذي يُعتبر فيه صاحب المشروع الجديد بطلاً. فالطريقة التي نفكر بها في العالم، ونطاق الممكن، وتركيبة السوق، ورغبات العملاء وحاجاتهم، هي جميعها عناصر تكوّنها ثقافتنا. ومن أجل اختراع أشياء جديدة، نجد أنفسنا مجبرين على التخلي عن هذه الثقافة والتحري عن عالم غريب ولا شكل له نسبياً.
ويذكر أنه لا يظهر أصحاب المشاريع الجديدة جميعهم هذا النموذج الانثروبولوجي. وتوخياً للتأكيد، يعمد البعض منهم إلى تغيير شكل أو مضمون ما هو موجود أصلاً. وفي هذه الحالات بالإمكان تطبيق نموذج فانتريسكا. لكن، في حالات أخرى قد يلجأ صاحب المشروع الجديد إلى إنتاج شيءٍ حديثٍ بالفعل.
وإنّ العمل خارج كبسولة الثقافة يعني بأنّه لا يمكن لأي صاحب مشروع جديد أن يكون متأكداً تماماً من أنه سيحصل على ما يستحق الجهد والعناء. وفي غالب الأحيان، ثمة الكثير من الأمور التي تولّد ردود الفعل وتثير التعجب بخاصةٍ في الأيام الأولى من انطلاقة أحد المشاريع. بما أنه لا يمكننا أن نرى دائماً عبر عدسة الثقافة في هذه المرحلة، يصعب أن ندرك ما نبحث عنه، فما بالك إذا كان ما نبحث عنه هو مثلاً مستقبل الحوسبة.
إذن نعم، العمل خارج كبسولة الثقافة صعب جداً، ويتضمن تغيير الطرق الرئيسية التي نفكر بها والتي نلجأ إليها للخروج بأفكار جديدة. وتكاد هذه المسألة أن تشبه إعادة بناء مركبة فضائية في منتصف رحلة. لكن هذا هو بالنهاية السبب الكامن وراء اعتبار الاستعارة الرومانسية التي تصف أصحاب المشاريع الجديدة بالشخصيات البطولية، مناسبة أكثر. فهم يذهبون بحق إلى أماكن لم يسبقهم إليها أحد.
(*) (غرانت ماك كراكن هو باحث في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» (Massachusetts Institute of Technology)، ومؤلف كتاب «كبير مسؤولي الثقافة» (Chief Culture Officer)