كلّ ذلك اللّهاث المُتشابك المُتغيّر المُتسارع للشاشات، يُواجهه المشاهد بصمت مذعور، لأنه يعرف أن كلّ ما سيُقال لن يكون وصفا لأحوال ذعره، أو تعبيرا عما يُحسه، ويُعانيه، ويُكابده.
إن ذلك اللهاث الهادر مُجرد صيغة مبنية للمجهول، يُراد للمشاهدين أن يسكنوها، ليكونوا، كما يشاء لهم التلفزيون.
شاشات تستجدي كل حدث، مهما كان بسيطا أو تافها. ولو أن ذلك يؤدي إلى «موت « الشاشات من أجله.
شاشات لا تشتهي إلا الجثث، تُزيّنها أحيانا بالمأساة، وأحيانا بالفكاهة والوقاحة معا.
المشاهدون بالنسبة لتلك الشاشات ليسوا سوى ذرائع يُمكن تجاوزها في كل حين، لتقول لنا - مثلا - تلك الشاشات إن صورة إباحية لفلانة من الممثلات، معروضة في مزاد علني، قرب متحف اللوفر في باريس.
يقول بيار بوديو إن التلفزيون يحتاج إلى مجموعة مفكرين من نوع معين، قادرين على التفكير بطريقة سريعة ومباشرة.
هذا النمط الخاص من المفكرين يأسر الكلام ضمن حدود العلاقة المتناقصة بين ضرورات التدبّر والعناية والعزلة التي يحتاج إليها كل تفكير جدي، وبين إلحاحات الوهج التلفزيوني الاستعراضي.
الوقت التلفزيوني يتمّ حسابه بالثواني. هو وقت لا مجال فيه لغير التراكض اللاهث، ممنوع فيه التوقف والمراجعة والتصحيح.
التلفزيون يسير في مسار مُتتابع لا مجال فيه للانقطاع. إنه سيرورة دائمة ولامعة على الدوام.
فأي حيوات وأي رغبات قادرة على المثول في هذا الحيّز المبني على تراكم اللهاث، وكيف يصنع التلفزيون مفكريه، ومن يستطيع أن يكون «مفكرا» تلفزيونيا؟
الحيوات التي تُمثل في الحيّز التلفزيوني هي الحيوات التي تستطيع أن تقول شيئا محددا، في لحظة واحدة، قبل أن تعود إلى النسيان. وما تقوله مثل هذه الحيوات لا يكون نقاشا، بل هو حكمٌ على المُتلقّي تبنّيه.
بعض الأفكار التي تطرحها تلك الشاشات، تُشبه، أحيانا، تجاعيد القاتل.