للفاسق الواشي.. ليل ضرير معلق من عماه، وسقف حلمه ثقوب، وزجاجة فانوس مكسورة تداهم الريح ضياه، وغبار رمادي يطول، وحنق غموض، وحنجرة مليئة بالسعال، وشجرة يابسة تشيخ، رأسه بين يديه عليل، لا هو حمامة حلم، ولا جرس، ولا ضوء ماء، يداه مصابة بالرعاش، وذاكرته طاعنة في الرماد، لا حقوله يانعة، ولا حدائقه محاطة بالمتاحف، كأنه طفل أضاع لعبته في دهليز الظلام، لا هو بناء عظيم، ولا تحية سلام، ولا رسول شكور، ولا مبعوث لبسط السلام، ولا تيار دافق، ولا مطر يجلس في أحضان غيمة، جسد العتمة هو، والظلام المتدحرج، حفلة مأتم، وقبرا يضم الرميم من العظام، فكره مشوش، وساعته عاطلة، وخطابه ينزلق بين رفات الكلام، وخطواته مبعثرة في رواق الفراغ الكبير، طائر غريب نراه ولا نراه، مثل بيت باب مدخله مخلوع، وسلمه مكسور، وعلى سطحه ينسج الغراب عش السواد، لا هو أرض بتول، ولا نهر يعطي الأرض النماء، مجراته غامضة، وليله أزلي، وحكمته ليست بالغة، هو الوهن والطمى والغرين والأدغال وعشبه الليل وغبش البصر، زوابع تراب هو وملامح حجر، مفعم بالإياب والتردي والنكوص، هو الذهول والدم والرصاص، وجنون الخيبة والندم، هو النار والهلع وأرض الشحوب وفجيعة البهتان، ميراث الجنون هو، ودهشة العويل، هو الخرافة، والخسران والوشاية، نثر الثرثرة هو، وكلام التغوية، ودسائس الزيف، والسواد العظيم، والنواح النواح، والعطن الذي يفوق العطن، هو رواية الضيم، ونص المشاكسة وتأويل الوجع، هو المرارة والحزن وحدود الخراب، هو السراب حين يتراءى السراب، هو الطلسم والانكسار وقوافل الوعود التي تجيء ولا تجيء، هو الفجيعة، ونهاية البياض، والثمار اليابسة، وحصرم العنب، هو العطب ومنطقة الصفار وجسد المصيبة، لاهو زرع، ولا تربة زرع أو آلة زرع ولا حتى بقايا حصاد، هو الشجن وضجيج الغط والشهاب الحارق، هو الزحام والاختناق وهواجس الفقد والضياع، لا هو كرنفال يتماوج ولا لون ولا ظل ولا رقصة أغصان ولا ريح ربيع ولا خيوط شمس، وليس طير كناري أو فراشة أو وميض نجم، ولا يحمل فلسفة أو تأملات، ولا حتى يشبه فاتنة غجرية يملأ عطرها فضاء المكان، ليس له دفء شمس، ولا مطر تنساب جداوله على خدود السفوح، ولا قوس قزح تتمازج فيه الألوان، لقد أنهكته الدسائس، وأدماه اللعب المرعب، وأهلكته التماثيل المزيفة، والتدخلات الفاضحة، والرياء الكبير، هو ناجح في المنام، وفاشل في الصحو، لم يعد يدري أي وقت هو الصحو،أي وقت هو المنام، وأيهما الحلم والكابوس، مثل ضرير يحملق في واجهات القصور، له هاجس طير ومخلب قط، وخطى غانية، سادر في الغي وقطر التمني، ليس لها تولد شعور، ولا إيغال في الجذور، ولا لغة مكتزة بقاموس المفردات الجميلة المتسمة بكثافة اللغة، ليس له عشق ولا لهفة ولا فقه ولا بلاغة ولا عروض ولا أدوات تعبيرية ولا ألوان رسم، الفاسق.. لا يستوطن المعاني، ولا يستجلي المقاصد، ولا يلامس اهتزاز الذاكرة، الفاسق الواشي.. غدا يدري ولا يدري، يحاول أن يضاجع خيالات الليل، ويخاف انبثاقات النهار الموحش، له تجارب موجعة حتى أن لياليه المقمرة لا تخلو من صوت ناي حزين ينغص عليها تطلعاته الفارهة، هو بين تمزق ووجع، فيه نبرة أسى وأذى وسهاد جفن ولوعة وألم ولغة خشنة وبذور خردل، الفاسق الواشي.. يحاول أن يحلق بعيدا من واقعه المر، لكنه يشتبك بعنف مع أوجاعه وأوهامه الكثيرة، أنه تحليقات التهويم والنعاس والخدر والفراديس المجهولة والمكر ومقامات الخديعة، كالعنقاء يشحذ أجنحته للتحليق في مدارات العتمة والظلام.
ramadanalanezi@hotmail.com