هل مواصفات المواطن السعودي المعروفة داخل بلاده تختلف عن مواصفاته في بلد آخر يلتزم بقواعد احترام التعايش المتبادل؟. نعم تختلف المواصفات. هل المواطن الذي يسكن في الحي الدبلوماسي أو حي أرامكو السكني أو مجمع حقل شيبة أو أي حي من هذه الكانتونات ذات التنوع السكاني، هل يتصرف هذا المواطن بنفس الطريقة التي يتصرف بها في شوارع الرياض وجدة وأبها والدمام وحائل ونجران؟. لا، لا يتصرف بنفس الطريقة. لنأخذ المسألة بالنقاط وبأمثلة واضحة على اختلاف المواصفات.
النقطة الأولى: في دبي، أبوظبي، البحرين، الغرب، الشرق، وأينما كان هناك احترام لقواعد المرور وقوانين التعايش الحضاري، يصبح السائق السعودي منضبطاً وحضارياً مثله مثل غيره. كذلك نجده يتصرف بنفس الانضباط داخل التجمعات السكنية المشتركة (الكانتونات) في السعودية، مثل أرامكو وحقل شيبة والحي الدبلوماسي. هذا المواطن ما غيره ينزع ثوب الانضباط والتحضر ويعود فوضوياً أنانياً بمجرد عودته إلى شوارع بلده.
النقطة الثانية: المواطن السعودي في الخارج يلتزم برمي القمامة في صناديقها، ويتخلص مما تجمع منها في المنزل بالطريقة السليمة، ولا يرمي علب المشروبات الفارغة من شباك السيارة إلى الشارع، ويتصرف «تقريباً» بنفس الطريقة داخل الكانتونات المحروسة في داخل بلاده. في شوارع بلده للأسف يتحول هذا المواطن المرتب النظيف إلى النقيض.
النقطة الثالثة: المواطن السعودي في بلده يتصرف مع الحدائق والمرافق العامة والمدارس والمخيمات الربيعية بطريقة تخريبية مدمرة كأنه يريد الانتقام من بلده وبناها التحتية. لكن هذا المواطن نفسه لا يترك منديل ورق ولا علبة فارغة على العشب الأخضر في البلاد الانضباطية، ولا ينزع نبتة من مكانها ولا يقصف عمر زهرة في حديقة عامة، وكذلك يتصرف تقريباً مع المرافق العامة في الكانتونات المختلطة داخل بلده.
النقطة الرابعة: تعامل الطالب السعودي الدارس في الخارج تحكمه ظروف البلد التعليمية والأمنية، فلا تعليق. لكن الطالب السعودي في مدارس الكانتونات التعايشية في الداخل يتعامل مع المدرسة والمدرس ومع قواعد الانضباط المدرسي بطريقة تختلف تماماً عن تعامله في المدارس الحكومية العامة، حيث يميل إلى النزعة التخريبية والتمرد، وقد يصل الأمر إلى التعدي على الطاقم التعليمي بالضرب وتهشيم السيارات.
النقطة الخامسة: قطع الإشارات المرورية واختطاف المسارات والانحراف المفاجئ دون إنذار في شوارع المدن السعودية هي مواصفات أصلية للسائق السعودي وممارسات يومية يتعامل معها المرور بحنان الأبوة وتفهمها إذا استثنينا حرص نظام ساهر في الحصول على أكبر قدر من غرامات السرعة. الأمر يختلف في خارج البلاد وفي شوارع الكانتونات التعايشية الداخلية، حيث لا تفحيط ولا قطاع طرق ولا محترفي مفاجئات. ذلك الخطر الداهم المتجول بسيارته في شوارع مدينته يتحول في الأجواء الانضباطية إلى مواطن اسكندنافي يقف للقطة وأطفالها في الشارع حتى تعبر إلى الرصيف.
النقطة السادسة: لا تعليق لي هنا على إمكانيات المرأة في الحركة والتعامل مع الواجبات اليومية خارج البلاد، وذلك يشمل كافة بلدان العالم الإسلامية منها وغير الإسلامية عدا المملكة العربية السعودية، وإن نسيت استثناء بلد آخر فذكروني يرحمكم الله. المثير للتعجب هو وضع نساء الأسر السعودية التي تعيش في أحياء الكانتونات الداخلية (أرامكو، الدبلوماسي، حقل شيبة على سبيل المثال) حيث تستطيع المرأة سياقة السيارة للذهاب للمستشفى والمدرسة ومركز التسوق دون أن يوقفها أحد أو يلتفت إليها. لكن نفس السيدة التي تتمتع بهذه الحقوق هناك لا تستطيع مغادرة البوابة إلى شوارع مدينتها الكبيرة إلا خلف سائق أجنبي، وتعرفون بقية ما يمكن أن يقال.
أختتم بتساؤلات: هل تدل هذه التناقضات على ازدواجية أخلاقية في شخصية المواطن السعودي؟، أم أنها تدل على ازدواجية إدارية بيروقراطية في تقدير المحتوى العقلي والأخلاقي للمواطن حسب ظروف المكان ونوعية السكان؟. هل تدل هذه التناقضات على الفرق المتوقع بين افتراض الثقة أولاً ثم تطبيق القانون بصرامة وكفاءة عند وقوع الخطأ، وبين افتراض الخطأ الجمعي أولاً ثم سد الذرائع دونه من الأساس؟. ثمة تساؤلات كثيرة في الموضوع أرجو أن يشغل القارئ الكريم جزءاً من وقته بنبشها والبحث لها عن إجابات.