في عام 1991م من القرن الماضي وبعد صدور قرار بمساواة الوافدين من اليمن بغيرهم من الوافدين من الوطن العربي بشرط الحصول على كفيل وطني ورخصة إقامة سارية المفعول، شاهدنا هجرة معاكسة لإخوتنا الذين كانوا يسيطرون سيطرة شبه كاملة على غالب الأنشطة التجارية، فكانت فرصة نادرة لأبناء الوطن الراغبين في العمل والتجارة، قبل أن يتقدم وافدون آخرون بملء الفراغ وطرد الوطني مرة أخرى.
أبو نواف واحد من السعوديين الذين استشعروا قيمة هذه الفرصة فاشترى مخبزاً مشهورا وناجحا في أحد أحياء الرياض بثمن بخس وشمّر عن ساعديه بكل حيوية ونشاط، لكن مفتش البلدية الفرعية لم يمهله أكثر من أسبوعين حتى بدأ يناوشه بالمخالفات والتهديد والوعيد بإغلاق المحل بين يوم وآخر حتى تذمر أصحاب المحلات التي بجانبه من تراجع إقبال الزبائن الذين كان المخبز -في يوم ما- جاذبا ومنشطا لمحلاتهم لكثرة الزبائن، ويقول أبو نواف معللا ذلك: إنه حرص منذ البداية على تطوير المخبز والرقي بالنظافة وحسن المعاملة لكن مفتش البلديه أصبح شبه مقيم في المحل ولو لمح ذبابة سارع بإغلاق المحل، وإلى حين يراجعهم المالك يمر يوم أو يومان وهكذا حتى وصل الأمر به إلى أن خفّض الأسعار إلى النصف ولكن للأسف عين المفتش لا تغيب أبدا حتى ملّ وأغلقه.
أبو نوّار يقول أيضا: إنه فطن لهذه الفرصة العظيمة واشترى محلا لبيع الأواني المنزلية وأيضا بثمن بخس ولكنه أيضا اصطدم بعين مفتش البلدية الذي أرهقه وأتعبه فيقول: إنه يحتاج إلى عرض بعض الأواني خارج المحل أسوة بجيرانه لكن مفتش البلدية يلزمه دوما باتباع النظام وعدم العرض على الرصيف حتى بدأ الملل والزهق يداخله لولا أن جاره الوافد طمأنه أنه لن يرى مفتش البلدية بعد اليوم وهكذا حصل فعلا، وفي يوم الثلاثاء الماضي وبجريدة الرياض العدد 15744 قرأت خبرا يقول: إن (الأمانة) البلدية تطارد الباعة المواطنين على الأرصفة وتتغاضى عن الوافدين، وليس هذا بخبر جديد؛ فالبلدية تقف دوما بالمرصاد للمواطنين الباعة وخصوصا بائعي الخضروات الذين لا يملكون أكثر من سيارة متواضعة يجلبون عليها ما تيسر لبيعه والتكسب من ورائه لحين تفي وزارة العمل بوظائفها الموعودة، ولكن ما أراه جديدا ويستحق الطرح هو في هذه النظرة الانضباطية التي تظهر فجأة عندما يكون المستفيد سعوديا أو سعودية، وعلى سبيل المثال وعندما أمر خادم الحرمين الشريفين بسعودة سيارات الأجرة خلال ثلاثة أشهر قبل سنوات وجدنا من يبرر صعوبة تنفيذ القرار بحجة أن السعودة تحتاج إلى تدريب على حسن التعامل، وقبل أسابيع وعندما قررت وزارة العمل إتاحة الفرصة للنساء في مزاولة نشاط البيع في المحلات المتخصصة ببيع مستلزمات المرأة ظهر لنا من يقول: إن النساء بحاجة للتدريب.
لقد كانت الفرصة العظيمة متاحة أمام السعوديين لملء الفراغ الذي خلفه لنا الإخوة الأشقاء من اليمن، وقد اغتنم كثيرون هذه الفرصة فعلا لولا أن بعض الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر لم تساعد الوطنيين أو حتى تتيح لهم الوقت الكافي ليمتلكوا الخبرة والقدرة على الاستمرار حين عاجلوهم بتفعيل الأنظمة التي كانت غافية غائبة حينا من الدهر، وكأن الضبط والتنظيم لا يتلاءم إلا مع أبناء هذا الوطن دون غيرهم من الوافدين الذين عرفوا كيف يتعاملون مع هذه النظم والضوابط ليطردوا الوطنيين من جديد ويحلوا محلهم، حتى صارت محلات التجزئة بالكامل في بلادنا مهيمن عليها من قبل هؤلاء الوافدين، وأضف لذلك المهن الأخرى والتي لا تحمل إلا اسم السعودي في رخصة البلدية ولا شيء آخر، وليس هناك سر أو لغز في هذه الحالة الموجعة إذا علمنا أن سيارات الأجرة وبيع النساء في محلات النساء لا تحتاج لأكثر من الرغبة، بدليل أن من يعمل في هذه المهن من الوافدين هم أيضا لا يحملون أكثر من الرغبة، ولكن يبرر البعض وجود هذه الصور باعتبار أن المواطن السعودي لا يحب العمل أو أنه اتكالي على غيره ويتناسى هذا المبرر العظيم أنه سعودي أيضا وأنه هو الذي يقف في وجه أخيه المواطن بالشروط والضوابط التي يعلم الكثيرون أن بعضها غير عملي ومعطل للعمل وأنه يتم تجاوزها والتحايل عليها في بعض الأحيان بطرق مختلفة كثقافة مستجدة على مجتمعنا آخذة بالنمو والظهور بكل أسف كمنتج طبيعي لتنامي ثقافات وافدة على مجتمعنا مختلفة الانضباط والأخلاق وقادرة على التأثير.
hassam-alyemni@hotmail.com