الإنسان خليفة لله وليس خليفة عن الله في هذه الأرض، وهذا يعني أنه يتصرّف في ملكوت الله بناءً على النظام الذي سنَّه الله سبحانه تعالى، ويسير على القواعد التي شرعها وحدّد معالمها. ومن أخطر الأمور التي استخلف عليها الإنسان وسيسأل عن مدخلها ومخرجها «المال»، ومن نافلة القول هنا أن الله بإرادته وقدرته جعل منّا وفينا الفقراء والأغنياء ابتلاءً وامتحاناً، وأخبر أنه سبحانه وتعالى بعد أن خلق الأرض بارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين وهذا يعني أنه متى ما التزم الأغنياء بما سنَّ الرب من أحكام فلن تموت نفس من جوع أو عطش، وأن كل هلاك ولو لواحد من بني البشر إنما هو نتيجة طبيعية لطغيان أو فساد وإفساد في الأرض من قِبل الأغنياء المترفين.. هذه المقدمات وتلك المعادلة تتناقض مع واقعنا اليوم، إذ إننا نعرف أثرياء وأصحاب دخول متوسطة ينظرون إلى الفقراء كالقذاة في العين، يهمزونهم ويلمزون بهم، ينسون حقوقهم التي في أعناقهم، لا يؤدون ما فرض الله عزَّ وجلَّ نحوهم، أكثر من ذلك يصعدون على أكتافهم، يستغلون حاجتهم، فيقرضونهم قروضاً ربويةً بأي صورة كانت وربما تطور الأمر إلى استغلال المرأة الفقيرة جنسياً وتوظيف حاجتها وفقرها من أجل إشباع رغباتهم بطرق ملتوية ومحرجة.
الشاهد هنا أن في مجتمعنا أثرياء بالأرقام ولكنهم فقراء عن الحقيقة. فقراء من العمل الصالح، فقراء من القناعة التي هي كنز لا يفنى، فقراء من الأخلاق والسلوك التي هي عنوان رقي الأمم وبرهان تحضرها، فقراء في نفوسهم الدنيئة التي تمنع حقاً فرضه الله تعالى هوىً أو تكبراً أو تناسياً و إهمالاً.
لك أخي القارئ الكريم أن تتصوّر كم هم من يملكون مليون ريال؟ كم هي زكاة هذا الملايين؟ كم هم الفقراء الذين يجب علينا دفع الزكاة لهم؟ كم ستسد زكاة هذه الملايين من احتياجات الأسر الفقيرة التي لا يعلم حالها إلا الله، الذين {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} البقرة273، ما هي النتيجة المجتمعية من إعطاء الأغنياء الفقراء حقهم الذي فرضه الله في المال؟
عوداً على بدء أيها الأثرياء ستذكرون ما أقول لكم عندما يصيبكم مرض أو تحل بكم جامحة أو تلم بكم فتنة أو يأتيكم الموت، ستذكرون أنكم كنتم تعتقدون أن المال هو الثراء، والأرقام هي الأهم، وأنكم مع معمعة الحياة ولهث الذات وراء بريق المال نسيتم أن هذا المال - كما قلت في مطلع هذا المقال- مجرد أمانة عندكم كأجسادكم تماماً كأولادكم تماماً كنسائكم تماماً، ستعرفون أن أرصدتكم التي مهما كبر وعظمت فهي لا شيء في ميزان الله عزَّ وجلَّ وستنكشف السرائر حين نقف بين يدي الرب حفاة عراة غرلاً ويسأل كل منَّا عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.
قبل هذا السؤال وما دام كل منّا في مرحلة الإمهال علينا أن نبادر إلى تصحيح المسار لسد جوعة هذا ولنروي ظمأ ذاك، ومن منّا لم يسمع عن أطفال الصومال، من منّا لم تقرع آذانه صيحات واستغاثات ونداءات إخوانه المسلمين هنا وهناك، من منّا لا يعرف فقيراً أو مسكيناً أو محتاجاً، والأيام حبلى والديّان لا يموت والمال إما لك أو عليك والموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل فلنكن أثرياء بالقناعة والرضا والكرم والجود قبل أن نكون أثرياء بالمال. وإلى لقاء والسلام.