تعود الموقعون في المكاتبات الديوانية استعمال لفظ (بالنيابة) حين يكون الموقع على الأمر أو المعاملة ليس المسؤول الأصلي بل هو نائب عنه، فيكتب (مدير الإدارة بالنيابة)، ثمّ جاء من المجتهدين الذين يكتب لهم بإذن الله أجر فدعا الناس إلى ما توهم أنه الصحيح، فقال إن عليكم أن تكتبوا (بالإنابة) وإن من الخطأ أن تكتبوا (بالنيابة)، فشاع هذا بين الناس، ومثاله خبر جاء في صحيفة الرياض «تكليف الزهراني مديرًا لتعليم القويعية بالإنابة»(1)، ومثله خبر صحيفة الجزيرة «محافظ الخرج بالإنابة يفتتح أسبوع الشجرة»(2)، والعلة التي اعتل بها المجتهد أن هذا الموقّع قد أنابه غيره أي جعله نائبًا عنه، فيرى أنه يوقع على المعاملة بسبب إنابة غيره إياه؛ ولذلك كان الصواب عنده أنه مدير الإدارة بالإنابة. والأصح عندي ما كان عليه القوم من الاستعمال القديم؛ لأن الإنابة إنما هي فعل المُنيب، وأما فعل المدير الذي أنيب فهو النيابة؛ لأن الفعل (ناب) مطاوع الفعل (أناب) تقول: «أناب مدير المدرسة زيدًا عنه فناب زيد عن المدير نيابة لا إنابة». فزيد على هذا نائب منذ ناب عن المدير وهو نائب عن المدير فعله النيابة، وهو آخر الأمر مدير للمدرسة بالنيابة، أي بالنيابة عن مديرها الأصلي. وكان مما تعوده الخطباء حين يتكلمون عن غيرهم أن يقول أحدهم: «بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن زملائي»، ومن الطريف ما سمعته من أحدهم وهو قوله «بالنيابة عن نفسي وزملائي!».
ومن أجمل اللفتات في ردّ لفظ الإنابة ما قرأته في كتاب الدكتورعبد الله صالح بابعير (ظاهِرَةُ النِّيابَةِ في العَرَبِيَّةِ) وهو قوله «(الإنابة) لها دلالة أخرى، هي التوبة والرجوع إلى الله، فيقال: «ناب فلان إلى الله تعالى، وأناب إليه إنابةً، فهو مُنِيب: أقبَلَ وتاب ورجع إلى الطاعة وقيل: ناب: لَزِمَ الطاعةَ، وأناب: تاب ورجع، وفي حديث الدعاء: وإليك أَنَبْتُ، والإنابةُ: الرجوع إلى الله بالتوبة» [لسان العرب]، ومنه قوله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر-54]، لذا صارت (الإنابة) مصطلحًا لهذا المفهوم عند علماء الشريعة، مفهومُه العام هو التوبة والعودة إلى الله، والرجوع عن السيئات(3) «.
وليس ما رددته من أمر (الإنابة) لأنه خطأ فهو صواب؛ ولكنه لا حاجة إليه، والأخذ به يوهم أنّ ما تعوده الناس هو الخطأ الذي اقتضى التصحيح، والقول بالإنابة صحيح لأن الموقّع يوقع بإنابة غيره إياه، أي بسبب تلك الإنابة، والقول بالنيابة صحيح أيضًا؛ إذ هو يوقع بنيابته هو عن غيره، وصدق الدكتور صالح بابعير في قوله حين قال: «(النيابة) مصدر الثلاثي (ناب)، أما الإنابة فمصدر الرباعي المزيد (أنابَ)، فالأَوْلى اختيار مصدر الثلاثي، لأن الأصل في البِنْية والتركيب هو عدمُ الزيادة، أما الزيادة فَفَرْعٌ على هذا الأصل». ومن أجل ذلك فليوقع الموقع بالنيابة والزهراني مدير للتعليم بالنيابة، ومفتتح أسبوع الشجرة هو محافظ الخرج بالنيابة.
(1) الأربعاء 9 شعبان 1431?، العدد 15367.
(2) الأحد 13 جمادى الأولى 1432?، العدد 14080.
(3) ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون، 6-1373 (1861م).