نقطة مفصلية في رسالةٍ تاريخيةٍ قويةٍ وواضحة وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله إلى النظام السوري لتضع هذا النظام أمام خيارين لا ثالث لهما (إما أن تختار بإرادتها الحكمة أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله)
لقد دعا خادم الحرمين الشريفين رعاه الله النظام السوري من خلال هذه الرسالة التي جاءت كأقوى ردِ فعل عربي ودولي تجاه الأحداث الجارية على الساحة السورية إلى وقف أعمال القتل والعنف وإراقة الدماء،
ووصف الحدث بأنه أكبر من أن تبرره الأسباب..رسالةٌ مباشرةٌ صريحة وضعت النقاط على الحروف بعد فشل كل المساعي التي بُذِلت من قبل جميع الأطراف الدولية وعلى رأسها قيادة المملكة العربية السعودية لوقف تلك المجازر البشعة، والانتهاكات الصارخة بحق الشعب السوري الأعزل.
إن القيادة السعودية التي أدركت بأن صبر الحليم نفد.. وأنه لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال الهروبُ من لحظةِ مواجهةِ الحقيقة أرادت أن توصل رسالةً واضحة تنبعُ من قلبِ شخصيةٍ قياديةٍ صادقةِ النوايا تحمل هموم أمةٍ وشعوبٍ باتت شبه تائهة وسط بحرٍ متلاطمٍ من أمواج الاضطرابات ونظم العنف والقمع.. لتبين أن موقف المملكة العربية السعودية هو آخر مسمارٍ يُدَقُ في نعش النظام السوري الذي لم يعد قادراً الآن على غسل يديه الملطختين بدماء الشهداء وما استدعاء السفير السعودي من دمشق للتشاور إلا دليل وشاهد على ذلك.
إن الأمانة وعظم حجم المسؤولية التي تميزت بها القيادة السعودية، بل انفردت بها عن بقية القيادات الأخرى اقتضت منها ألا تقف موقف المتفرج إزاء ما يحدث في هذا البلد العربي الشقيق من سفكٍ لدماءٍ بريئة، وقتلِ نفسٍ بدون حق، وتعذيبٍ وتشريد لذلك جاء هذا الموقف الرسمي السعودي من الأحداث الاستبدادية التي طالت الشعب السوري في مختلف مدنه وقراه وأريافه بعد استنفاد جميع الوسائل الممكنة والنصائح الموجهة منذ بداية الثورة الشعبية بل منذ أن التقط الشباب السوري رسالةً بناءةً للتغيير من شباب تونس ومصر هذه الرسالة التي جعلت من الشرعية الشعبية أرقى وأعلى أشكال الشرعية، فهب في انتفاضة سلميةٍ بحتة ينادي بحق المواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية التي حُرِم منها عقوداً من الزمن.. ويسعى بقوة إرادته إلى ردم تلك البؤر الاستبدادية والتسلطية التي نكلت به وقمعت تحركاته ورخَصت بدمه وضربت بكل القيم والأخلاق وقوانين حقوق الإنسان.
إن المملكة العربية السعودية لم تنأى بنفسها عن المسؤولية التاريخية بحق الشعب السوري العربي المسلم وهذا ما أكده العاهل السعودي حفظه الله في رسالته الواضحة الصريحة حيث قال: (تعلم سوريا الشقيقة شعباً وحكومةً مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها مطالبةً بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء.. وتحكيم العقل قبل فوات الأوان).
إن دبلوماسية سياسة القيادة في المملكة العربية السعودية المتزنة الهادئة والحازمة أملت عليها كيفية التخاطب مع هذا النظام فالرسالة الموجهة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رعاه الله- كانت رسالة متزنة حازمة خالية من نبرة تهديد وهذا هو الفهم والفكر الإستراتيجي وبعد النظر والسياسة العميقة التي تميز بها العاهل السعودي حفظه الله ورعاه رسالة غايتُها وقف الآلة الوحشية ووضع حدٍ لإراقة الدماء وتحكيم لغة المنطق والعقل والضمير لمنهجية النظام السوري الذي قضى على تطلعات الشعب وطموحاته تحت وطأة البطش والاستبداد واستخفافٍ بدم البشر وهدرٍ للكرامة الإنسانية. إذن فليعي النظام السوري أن المرحلة القادمة ستكون مرحلةً حاسمة وفاصلة.. مرحلة لحراكٍ سياسيٍ واتخاذ قراراتٍ أكثر جرأة وفعالية ضد هذا النظام وليدرك أن العواقب وخيمة في نهاية المطاف فسياسة الأرض المحروقة المتبعة ضد الشعب السوري ستقابلها سياسة دولية قوية تضع حداً لنظامٍ لا يأبه بالقيم الإنسانية ولا الأعراف الدينية ولا حتى بقيمة النفس البشرية التي خلقها الله عزَّ وجلَّ ووهبها الكرامة لتعيش بعزةٍ وكرامة آمنة مستقرة.