عندما يشارك المرء في أي لعبة، سواء كانت اللعبة جماعية أو فردية، فإن خيوطها وخططها في الغالب تكون في غاية السرية، ولا يظهر منها شيء لمن تود أن تلاعب أو تتنافس معه عليها، بما فيها التدريبات..
..ويأخذ كلٌ الحيطة والحذر في عدم التسرب أو التسريب لما جرى ولما سيجري ولما لم يجرِ وما لن يجري.
ولعل من أهم هذه الألعاب كرة القدم. لكننا فوجئنا جميعاً، وأخذنا على غفلة وحين غرة هذه الأيام، بلعبة من نوع مختلف، أو بالأصح تكتيكات واستراتيجيات من نوع مختلف للعبة لم تكن تعرف بأنها لعبة لدى الغالبية ممن ليسوا أعضاء فاعلين فيها بل مفعولاً بهم من حيث يدرون ولا يدرون. اللعبة معروفة لمن يهمه الأمر، ولو أنها لا تتردد بشكل كبير، وقواميس العامة لا تشملها، وحتى قواميس غالبية المتعلمين، وربما الكثير من المثقفين، ألا وهي اللعبة السياسية.
نسمع بهذا المصطلح عندما تشتد الضغوط على سياسي معين، أو يشتد الهجوم عليه من معارضين؛ لارتكابه خطأ سياسياً أو حماقة سياسية؛ فيبرِّر ذلك، أو يحاول تحسين صورته وقراراته بأن هذه هي اللعبة السياسية، وأنها تقتضي مثل هذه القرارات. يتبادر إلى ذهن الكثيرين بعد أن يتفوه مثل هذا السياسي بهذا المصطلح (لعبة سياسية) القول بأن السياسة لعبة، وبأنها ضحك على الذقون، وبأنها كذب على الشعوب. ويهز رأسه في أحايين كثيرة ويحسبل على الساسة والسياسيين؛ لأن ما يقومون به هو لعبة من الألعاب في نظره ومنظوره المتبادر إلى ذهنه لفظياً ليتخيله واقعاً.
ولكن الساسة يحسنون السياسة، ويزيّنونها في نظر الناس، ولا يعترفون بأن فيها خداعاً وكذباً وغشاً واستدراجاً كما يقول البعض، والتبعيض عندنا لا يعني القليل على الإطلاق. إن الساسة، وأقصد بالساسة من بيدهم القرار، يقولون إنها فن وإنها ذكاء وإنها دهاء وإنها فن المستحيل وإنها قيم، أو إن لها قيماً وأُطراً وأعرافاً صادقة لا بد لكل سياسي أن يتحلى بها، وإنها فوق هذا علم يدرس في الجامعات كافة دون استثناء، أو لنقل غالبيتها. ويبرز لك السياسة على أنها تقطر شهد الصدق إذا كان للصدق شهد. بالمناسبة، السياسة لا تعني العمل الدبلوماسي أو تعني السلك الدبلوماسي فقط، وإنما السياسة تنسحب على كل قرار يتخذ في مناحي الحياة الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، ويترتب عليه منافع أو أضرار، أو بين هذا وذاك، ويُخطَّط لغالبية هذه القرارات في الغالب الأعم في السر؛ لذا فالأمر سياسة بشكل أبو بآخر.
والحقيقة أن السياسة خليط من هذا وذاك طالما أنها تمارَس في مجتمع، ويتم التعامل فيها مع بشر تتلون مصالحهم، وتتلون علاقاتهم بألوان تلك المصالح؛ فيحدث فيها مفاجآت ومناورات وربما حِيَل، ولكن في نهاية المطاف تخضع السياسة العامة للدول للمبادئ العامة لتلك الدول.
لكن ماذا عن سياسة اليوم المتمثلة في اللعب على المكشوف؟ ولكن كلمة مكشوف ليس على إطلاقها للسبب الآتي:
أنه لكي يكون اللعب مكشوفاً والسياسة مكشوفة بشكل مباشر لا بد أن يكون الإنسان متعلماً، وليس أي تعليم، وإنما التعليم الإلكتروني، وليس بالضرورة أن يكون متخصصاً في الحاسب، ولكنّ من أدواته حاسباً وبريداً إلكترونياً وحساباً على الفيس بك أو التويتر، ويستطيع أن يقرأ ويكتب، وبهذا يكون عضواً كاملاً من أعضاء اللعبة المكشوفة.
اللاعب هنا سيعرف ما يدور مباشرة، وعليه أن يقرر أن يشارك أو لا يشارك في مسيرة أو مؤامرة أو خطة أو أي برنامج حشدي جماهيري احتفالي أو تنويري أو تثقيفي وغيرها مما يمكن أن تكون عليه اللعبة المكشوفة. أما من ليس لديه معرفة إلكترونية فعليه أن يبقى في آخر الركب ويتلقى ويتلقف من الناس ما يفيض عن حاجتهم ويودون ذكره، أو يشوهون ما يروونه أو يحرفونه لمن لا يطلع عليه مباشرة، أو قد لا يكون لديهم وقت للشرح له عما يدور.
التعليم الإلكتروني ليس مطلباً للجيل الجديد فحسب وإنما لكل من يعمل في السياسة والتخطيط والأعمال الخدمية المجتمعية المتنوعة. لا بد أن تكون وسائلهم في التواصل إلكترونية، ولكن الأهم هو التعايش والفهم؛ لأهمية هذه الوسائل وتسخيرها في التواصل وخدمة الناس بشكل سريع. استخدم الرئيس الأمريكي أوباما المعرفة الإلكترونية، واستفاد منها في حملته الانتخابية، ويُقال إنها هي ما رجحت كفته في الانتخابات في التواصل مع الناس وشرح خططه وبرامجه، واستغلها متظاهرو مصر وتونس. وبغض النظر عن ضرورة قيام تلك الثورات والمظاهرات أو عدم ضرورة قيامها فتقييم هذه الثورات يحتاج لسنين طوال، وسيأتي أناس كثر بعد سنين طوال يجرمون من قام بتلك الثورة ويترحمون على الأيام الخوالي، وسيستمر آخرون في دعمها، وسيفتر حماس آخرين، ويتعايش مع الحال؛ لذا فإن التواصل الإلكتروني أصبح ضرورة ملحة.
وما دمنا سنتحدث عن الحال فالحال يقول إن غالبية أجهزة الحكومات في وطننا العربي اكتشفت قريباً أن بينها وبين شعوبها مسافات ومسافات، ليس فقط في التعليم الإلكتروني وإنما في الأحلام والطموحات والتوقعات والإصلاحات والتخطيط والاستراتيجيات. إن ما تسبب في ذلك هو الهوة التي عطلت الشباب عن الانسياق وأخذ أماكنهم المستحقة في سلم الوظائف القيادية والسيادية والاستراتيجية، وشعورهم بأن غالبية من يصل إلى كثير من تلك الوظائف لا بد أن تتعرض كرامته للخدش، ولعل قليلاً من ذلك الخدش هو أن يكون له وسيط يزين مزاياه لمن سيقبل به في تلك الوظيفة القيادية، وليس قدراته ووطنيته وتفانيه في العمل. هكذا هو الحال في معظم الدول العربية إن لم يكن كلها.
الحال يقول إن دولاً تصل بها نسبة البطالة إلى ما بين 10-18 % بينما في دول أخرى بها أكثر من ذلك.
والحال يقول إن بعض الدول سكانها الأصليون يتساوون مع الوافدين في العدد، والحال يقول إن بعض الدول يُشكّل الوافدون بها ثلث سكانها، والبعض يشكّل الوافدون 80 % من السكان، وهذا في دول مجلس التعاون.
الحال يقول إن مساكننا ومكاتبنا وشوارعنا يعرف أسرارها ملايين البشر ممن وفد للعمل لدينا في دول مجلس التعاون.
والواقع يقول إن العمالة السائبة تسرح وتمرح وتمتر الشوارع بالطول والعرض من دون خوف ولا وجل من تتبع وعلى عينك يا تاجر؛ حيث البعض من هذه العمالة يتبع تجار التأشيرات والفيز والبعض يسميهم تجار البشر الذين يقبضون من العامل ولا يدفعون له ويتركونه يذهب في حال سبيله ويدفع أجراً معلوماً في وقت معلوم لهذا الكفيل. هناك البعض من هذه العمالة فروا من مكفوليهم طمعاً في أجر أعلى، والبعض ربما سرق مكفوله الذي دفع فيه مبلغاً وقدره وليس لديه سلطة في أن ينبس له ببنت شفة حتى لو صادفه في الشارع. بلَّغ عن هروبه الجهات المختصة ولكن آلية الحل تكاد تكون معدومة. الحال يقول إن المشاريع ترسو على متخصصين ثم من الباطن وباطن الباطن ويتسلم المشروع من لا يجيده وينكشف المشروع في نهاية الأمر وكأنه لم يكن في الأساس أي مشروع. الحال يقول الكثير من الحقائق المؤلمة التي لا تصل لولاة الأمر في كثير من الدول، وإنما ما يصل إليه أن كل شيء تمام. الحال يقول إن اللعبة أصبحت مكشوفة بعد أن كانت إلى وقت قريب سرية.
الحال يقول لا بد من أخذ الحيطة والحذر، وأن يكون المستشارون والمقربون لصناع القرار في الدول العربية ملمين باحتياجات الناس، وأن يكون هاجس الأوطان ووحدتها والحفاظ عليها فوق كل اعتبار. الحال يقول إن المعرفة والإلمام باحتياجات الشعوب ومتطلباتها من خلال المؤشرات والدراسات التي تجريها المراكز البحثية المتخصصة والجامعات يمنعان حدوث الأزمات الاقتصادية والزلازل السياسية والاختلالات والاعتلالات الأمنية. الحال يقول إنه كلما اتسعت المشاركة للشعوب في البناء والتنمية وصنع القرار ترسخ الحس الوطني، وارتقى الإحساس بوحدة الوطن والمصير.
الحال يقول إن المرأة تُشكّل نصف المجتمع، وتقلدت مناصب قيادية في المجتمع، أفلا نثق بها بأن تقود سيارة؟
الحال يقول إن التمثل بالحديث الشريف «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها» لا يصلح تطبيقه على كل الإفرازات المجتمعية والمعطيات، ولا ينفع تفصيله حسب أهواء البعض. الحال يقول إن من الأفضل ألا يكون هناك فتنة من الأساس نجعلها تنام ثم نتخوف من إيقاظها.
الحال يقول كلما توازنت التنمية في أرجاء الوطن الواحد وغاب الغبن توازن توزيع السكان، وتدعمت عرى وحدة الوطن. الواقع يقول إن الأوامر السامية لخادم الحرمين الشريفين في مجملها كفيلة بالتخفيف من مشاكل كثيرة وبحل جذري لمشاكل أكثر في حال قيّض الله لها من الإداريين من يطبقها دون تحليل معقد ولا بيروقراطية سقيمة.
فهل اللعب على المكشوف بشفافية تامة سيكون مطبقاً إلكترونياً على هذه الأوامر الملكية السامية أم سيتم استخدام الوسائل القديمة في التنفيذ والتوقيع على الإجراء من أكثر من 10 أشخاص، وكل شخص يستغرق ستة أشهر؟
وهل اللعب على المكشوف سيجسد ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين بأن يتقبل كل مسؤول الحوار، وأن يستعد له؛ لكي نفوت على المتربصين في الداخل والخارج فرصة محاولة العبث بأمننا ونتمثل بالمثل الذي يقول الوقاية خير من العلاج؟
إذا اقتضى الأمر العلاج فليكن حاسماً ناجعاً حتى لو اقتضى الأمر البتر؛ حتى لا تسري العدوى.
دمت يا وطن سالماً آمناً.
Dr.abdullahalzahrani@yahoo.com